ومن هوى الصّدق في قولي وعادته ... رغبت عن شعرٍ في الوجه مكذوب
الهاء في عادته للصدق.
يقول: من حبي للصدق واعتيادي له، زهدت عن شعر مخضوب في الوجه: وهو المكذوب.
ليت الحوادث باعتني الّذي أخذت ... منّي بحلمي الّذي أعطت وتجريبي
يقول: إن الحوادث أخذت مني الشباب، وأعطتني الحكمة والتجارب، فليتها ردت على ما أخذته من الصبي، وأخذت ما أعطت من الحلم والنهى.
فما الحداثة من حلمٍ بمانعةٍ ... قد يوجد الحلم في الشّبّان والشّيب
يقول: ليت الحوادث ردتني إلى أيام الصبى والحداثة، فإنها لا تمنع من الحلم، فيكون مع الحداثة ما يكفيني من الحلم والتجربة؛ فإن العقل يوجد في الأحداث كما يوجد في الشيوخ. والحداثة: لا توجد إلا مع الشبان.
ترعرع الملك الأستاذ مكتهلاً ... قبل اكتهالٍ، أديباً قبل تأديب
ترعرع: أي شب، ولا يكون إلا حسن الشباب. والاكتهال: التمام في كل شيء. والكهل من الناس: من سنه ما بين أربع وثلاثين، إلى خمسين سنة. ونصب مكتهلاً وأديباً على الحال.
لما قال: إن الحداثة لا تمنع من الحلم، استدل بحال كافور فقال: الحلم يوجد في الأحداث، كما أن الأستاذ كافور ترعرع من الحلم والأدب، ولم يكن من الشيوخ. ولا الكهول.
يعني: أنه خلق مطبوعاً على الأدب، فلم يحتج إلى مؤدب، وكان ابتداء شبابه في الكمال، كاكتهال غيره.
مجرّباً فهماً من قبل تجربةٍ ... مهذّباً كرماً من قبل تهذيب
مهذباً ومجرباً نصب على الحال. وفهماً وكرماً نصب على المصدر أو على المفعول له.
يقول: ترعرع الملك على هذه الأحوال، فهو مجرب قبل تجربة؛ لما طبع عليه من الفهم، مهذب؛ لما جبل عليه من الكرم، فلا يحتاج إلى التهذيب والتجريب.
حتّى أصاب من الدّنيا نهايتها ... وهمّه في ابتداءاتٍ وتشبيب
التشبيب: الابتداء بالأمر.
يقول: قد أصاب الغاية من الدنيا، وهو مع ذلك في أول مطالبه وتشبيب همته، ولم تبلغ همته أقصى مرادها.
يدبّر الملك من مصرٍ إلى عدنٍ ... إلى العراق فأرض الروم فالنّوب
يعني: أن هذه النواحي كلها تحت يده، وهو يديرها.
إذا أتتها الرّياح النّكب من بلدٍ ... فما تهبّ بها إلا بترتيب
النكب: جمع النكباء، وهي كل ريح هبت بين مهبى ريحين. وقيل: هي ريح تهب من مهاب الرياح الأربع على غير استواء.
يقول: إن الريح النكباء مع اختلاف هبوبها، إذا أتت هذه النواحي، لا تهب فيها إلا بترتيب من حسن سياسته وترتيبه الأمور.
ولا تجاوزها شمسٌ إذا شرقت ... إلا ومنه لها إذنٌ بتغريب
روى: إذا شرقت وإذا طلعت والتغريب: أن تأخذ نحو المغرب.
يقول: إذا طلعت الشمس على هذه النواحي، فأرادت أن تتجاوزها، فلا تجسر على المجاوزة، إلا أن يأذن لها بالغروب، والها في منه: لكافور وفى لها للشمس.
يصرّف الأمر فيها طين خاتمه ... ولو تطلّس منه كلّ مكتوب
تطلس: أي انمحى وذهب أثره، وطلست الكتاب: محوته.
يقول: لا يمضي الأمر إلا بخاتمه، وإن انمحت كتابته متى عرفت رسومه أمضي أمره، رهبة له وإعظاماً.
يحطّ كلّ طويل الرّمح حامله ... من سرج كلّ طويل الباع يعبوب
فاعل يحط حامله: أي حامل خاتمه. والهاء للخاتم. واليعبوب: الفرس الكثير الجري. وقيل: هي الطويل، وطويل الباع: طويل القوائم.
يقول: حامل خاتمه يحط كل فارس طويل الرمح، عن سرج كل فرس طويل القوائم واسع الجري؛ لما يداخله من الهيبة، وانبساط أمره، فإذا كانت هذه حاله، فحال غيره في الانقياد أبلغ.
كأنّ كلّ سؤالٍ في مسامعه ... قميص يوسف في أجفان يعقوب
يقول: يفرح بسؤال كل سائل، وكأنه في أذنه. مثل: قميص يوسف في عين يعقوب، فهو يستشفى بالسؤال، كما استشفى يعقوب بقميص يوسف.
إذا غزته أعاديه بمسألةٍ ... فقد غزته بجيشٍ غير مغلوب
يقول: إن أعداءه إذا قصدوه بالخضوع والسؤال، طلباً لما له أو طلباً للصلح منه، أجابهم لما يريدون، فكأنهم قصدوه بجيش لا يغلب.
أو حاربته فما تنجو بتقدمةٍ ... ممّا أراد، ولا تنجو بتجبيب
التجبيب: بباءين هو التأخر والهرب. وروى تخبيب من قولهم: خبب فلان نفسه إذا بعد.