يقول: جعلت بعينيك مثالاً في قلبي. أي جرحت قلبي جراحة واسعة مثل عينك الواسعة، فكل واحد من العين والجراحة واسع.
نفذت علي السابري وربما ... تندق فيه الصعدة السمراء
السابري: قيل أراد به الثوب الرقيق. وقيل: هو الدرع. والصعدة: القناة القصيرة. ونفذت: فعل العين.
يقول: نفذت عينك السابري على أحد المعنيين ورقته، ووصلت إلى قلبي فجرحته جرحاً واسعاً، ثم قال: ربما تندق الرمح ويلتوي الصلب القوي في هذا السابري؛ إن أراد به الدرع، فالمعنى ظاهر: أي أن عينك نفذت هذا الدرع إلى قلبي، وربما كانت تنكسر عليه الرماح ولا تعمل فيه. وإن أراد به الثوب الرقيق فمعناه أن قميصه ربما كان لا تعمل فيه الرماح بل تندق دون الوصول إلي؛ هيبة مني، في قلب من يريد طعني، ومع ذلك فإن عينك نفذته! وقيل أراد: أن عينك وصلت إلى قلبي وجرحته ولم تخرق الدرع ولا القميص. كما قال:
رامياتٍ بأسهمٍ ريشها الهد ... ب تشق القلوب قبل الجلود
أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمت ... فإذا نطقت فإنني الجوزاء
الصخرة: إذا كانت بالوادي كانت أصلب وأثبت.
يقول: أنا كصخرة الوادي في الصلابة والثبات، فإذا زاحمني أحدٌ في الفضل والكمال، أو في حال القتال لا يقدر على إزالتي عما أنا عليه من الحال، وما أختص به من الجلال.
وقوله: فإذا نطقت فإنني الجوزاء له معنيان.
أحدهما: أنه شبه نفسه بالجوزاء؛ لعلو محله عن كل ناظر. أي إذا نطقت لم يدرك غايتي أحد في البلاغة، كما لا يدرك أحد الجوزاء، وخصه بالذكر لأنه يشبه صورة الإنسان. والثاني: أنه أراد به ما يقول المنجمون من أن الجوزاء وصاحبه عطارد، يدلان على البلاغة والنطق. فيقول: أنا كالجوزاء: يستفاد من علمي ويقتبس من فوائدي، ويستمد من فصاحتي، كما أن الجوزاء يعطى من ولد فيه النطق والبراعة والبلاغة.
وإذا خفيت على الغبي فعاذرٌ ... ألا تراني مقلةٌ عمياء
يقول: إن خفي على الجاهل فضلي، فأنا أعذره، كما أعذر الأعمى إذ لم ير شخصي؛ لأن الجاهل أعمى القلب.
شيم الليالي أن تشكك ناقتي ... صدري بها أفضي أم البيداء؟!
الشيم: جمع الشيمة، وهي العادة. وأفضي: أوسع، وهو اسم المبالغة، وأراد: أصدري أم البيداء أوسع؟! يقول: عادة الليالي لقصدها بمحنها وصروفها، أن تشكك ناقتي، فلا أدري أصدري أوسع بالأيام، وبأموالها، أم الفضاء أوسع.
فتبيت تسئد مسئداً في نيها ... إسادها في المهمة الإنضاء
الإسآد: قيل هو إسراع السير. وقيل: سير الليل كله. وقيل: هو إدامة السير ليلاً ونهاراً. والمهمة: الأرض الواسعة. والإنضاء: مصدر أنضاه. إذا هزله. وتبيت: فعل الناقة. وتقدير البيت: فتبيت تسئد مسئد الإنضاء في نيها إسآداً مثل إسآدها في المهمة.
وإعرابه: تبيت. من أخوات كان، واسمه ضمير الناقة، وتسئد: فعل. في موضع نصب، لأنه خبر تبيت. ومسئداً: نصب على الحال من الضمير الذي فيه تبيت، وهو اسم الفاعل، وفاعله الإنضاء: وهو مرفوع به؛ لأن اسم الفاعل يعمل عمل الفعل. وإسآدها: نصب؛ لأنه وصف مصدر محذوف، كأنه قد أسأد مثل إسآدها، والضمير في إسآدها: راجع إلى الناقة، والناصب قوله: مسئد. ونظير التقدير الذي ذكرناه قول القائل:
تبيت هندٌ تصلي، مصلياً عمرو ... في دارها، صلاتها في المسجد
هذا كما تقول: مررت بهند واقفاً عندها عمرو فواقفاً: حال من مررت، وعمرو: مرفوع بواقف.
معناه: أن هذه الناقة تسرع في السير، والمهمة. والإنضاء يأخذ من الناقة وينقص منها، مقدار ما تنقص هي من المهمة.
ومثله لكشاجم في الشمعة قوله:
تكيد الظلام كما كادها ... فتفنى وتفنيه في الموقف
والمتنبي حول هذا المعنى إلى المفازة والناقة كما ترى.
أنساعها ممغوطةٌ، وخفافها ... منكوحةٌ، وطريقها عذراء
الأنساع: جمع نسع، وهو سير مضفور كهيئة العنان. والممغوطة: الممدودة. والخف: من البعير، بمنزلة القدم من الإنسان. ومنكوحة: أي دامية. فذكر بلفظ النكاح لذكره العذراء.
يقول: أنساع هذه الناقة ممتدة لهزالها فجالت عليها أنساع رحلها، وخفافها دامية من الحفا وطريقها مجهولٌ لم يسلكه أحد.
يتلون الخريت من خوف التوى ... فيها كما يتلون الحرباء