واغتفارٌ لو غير السخط منه ... جعلت هامهم نعال النعال
واغتفار: عطف على قوله: عيش شانيك.
يقول: كفاك الحرب اغتفارك ذنوب أعدائك، ولو غير السخط والغضب ذلك الاغتفار واستولى عليه، لجعل أعداءك نعالاً لنعال الأفراس، ولدستهم بخيلك.
لجيادٍ يدخلن في الحرب أعرا ... ءً ويخرجن من دمٍ في جلال
وروى: لجيادٍ وبجياد وهو من تمام البيت الذي قبله، أي تجعلهم نعالاً لنعال جياد، أو تطأهم بجياد تدخل في الحرب أعراء: أي عارية، فتكتسي بالدم فترجع والدم قد غطاها، فكأنها في جلال: أي لابسة جلالاً.
واستعار الحديد لوناً وألقى ... لونه في ذوائب الأطفال
هذا البيت معطوف على قوله: جعلت هامهم. يعني: أن السيوف كانت تختضب بالدم، فتستعير لوناً غير لونها، وألقى لونها البياض على ذوائب الأطفال؛ لأنها كانت تشيبهم من الخوف، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: " يوماً يجعل الولدان شيباً " قال البخاري؟: معناه: أنه يقتل الآباء، ويؤتم الأولاد؛ فيشيبون من الحزن والخوف!
أنت طوراً أمر من ناقع السم ... وطوراً أحلى من السلسال
السم الناقع: هو القاتل لوقته. والسلسال: الماء العذب، السهل في الحلق.
يقول: أنت في حالٍ أمر من السم القاتل، وفي حالٍ أطيب من الماء العذب السائغ.
إنما الناس حيث أنت وما النا ... س بناسٍ في موضعٍ منك خال
يقول: أنت كل الناس، فإذا غبت عن موضع فقد غاب الناس كلهم. وقيل: إنما صار الناس ناساً، إذا كنت فيهم؛ لأنهم يأتمون بك، وكل موضع خلا منك، فأهله لا تعد من الناس.
وقال يمدح أبا علي هارون بن عبد العزي الأوراجي الكاتب:
أمن ازديارك في الدجى الرقباء ... إذ حيث أنت من الظلام ضياء
أمن: فعل ماضٍ، من الأمن، والازديار: افتعال من الزيارة. والدجى: جمع دجية، وهي الظلمة. وضياء: رفع بالابتداء وخبره مقدم عليه، وهو قوله: حيث كنت.
يقول: إن رقباءك أمنوا أن تزوري أحداً في الظلام؛ لأن كل موضع تكونين فيه، مضيءٌ بنور وجهك. ومثله قول الآخر:
طارقٌ نم عليه نوره ... كيف يخفي الليل بدراً طلعا
قلق المليحة، وهي مسكٌ هتكها ... ومسيرها في الليل وهي ذكاء
القلق: الحركة، والاضطراب. وذكاء: اسم الشمس، وهي معرفة غير مصروفة. وقلق: مبتدأ. وهتكها: خبره. ومسيرها: عطف على قلق. وخبره: محذوف. تقديره: ومسيرها في الليل، وهي ذكاء هتك.
يقول: إنها كالمسك إذا حرك فاح فحركتها تهتكها وتنم عليها، وكذلك مسيرها بالليل وهي الشمس هتكٌ لها. فجعل نفسها مسكاً، ووجهها شمساً، فالمصراع الأول من قول امرىء القيس.
ألم تر أني كلما جئت طارقاً ... وجدت بها طيباً وإن لم تطيب
ومثل المصراع الثاني:
أرادوا ليخفوا في الظلام مسيرهم ... فنم عليهم في الظلام التبسم
أسفي على أسفي الذي دلهتني ... عن علمه فبه علي خفاء
المدله: هو الذاهب العقل.
يقول: كان لي حزنٌ عليك، فحيرتني يوم الفراق عنه، حتى لم أحس به، وزال علمي به عني، فأسفي الآن على الحزن المتقدم، الذي حيرتني عن علمه، حتى صار خافياً علي. فكأنه اشتاق إلى حزنه الأول: الذي كان قبل حزن الفراق.
وشكيتي فقد السقام لأنه ... قد كان لما كان لي أعضاء
الشكية، والشكاية، والشكوى: بمعنى واحد.
يقول: شكايتي الآن من عدم السقام، لا من السقام؛ لأن السقام إنما كان عندما كان لي أعضاء، فلما فقدت الأعضاء وصرت معدوماً لزوال السقام عني، فأنا أشتاق السقام؛ لأن بوجوده وجود الأعضاء أيضاً.
مثلت عينك في حشاي جراحةً ... فتشابها؛ كلتاهما نجلاء
عين نجلاء: أي واسعة، وكذلك طعنة نجلاء. وقوله: فتشابها ذكره وحقه: فتشابهتا؛ لأن أحديهما العين، والأخرى جراحة، وهما مؤنثان. غير أنه ذهب بهما إلى المعنى، فكأنه قال: فتشابه الشيئان المذكوران. وأراد بالعين: العضو. وبالجراحة: الجرح. كقول زياد الأعجم:
إن السماحة والمروءة ضمنا ... قبراً بمرو على الطريق الواضح
وأما قوله كلتاهما فأنثه رداً إلى لفظ العين، والجراحة. وأفرد قوله: نجلاء؛ لأن لفظة كلتا مفردة، وإنما تدل على التثنية لصيغته.