اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 66
وخير الشراب ما طاب طعمه وعطرت رائحته وصفى لونه واعتدل قوامه والعلامة الجيدة للشراب الجيد الخالي من الغش أنه إذا ترك المقدار القليل مدة طويلة لم يفسد وبقدر طول المدة تعرف الجودة والرقيق اللطيف أسرع إسكارا وتحللا والغليظ أبطأ إسكارا وتحللا وأدوم خمارا لكنه يسمن وخصوصا الحلو وليكن من تسديده على حذر ويختار للشباب والمحرورين الأبيض الممزوج قبل شربه بمدة بكثير الماء وللمشايخ الأصفر القوي القليل المزج فإن أرادوا الاغتذاء والسمن فالأحمر ودع الشيخ وما احتمله وجنبه الصبيان وعدله في الشبان وإنما يستعمل الشراب عند انحدار الغذاء من المعدة وأما في خلل الأكل أو عقيبه فضار لتنفيذه الغذاء على فجاجته على أن المعتاد به لا ينتفع باستعمال ما يعين على الهضم إلا بمقدار ما يقوى على التنفيذ وما دام السرور يتزايد واللون يحسن والبشرة تلين والجلد يربو والحركة نشيطة والذهن سليما فلا تخف من إفراط فإن أخذ النعاس يغلب والغشيان يقوى والبدن والدماغ يثقل والذهن يتشوش والحركة تسترخي فقد وجب الترك فحينئذ يجب القيء والقيء على قليل منه رديء لأنه يغصب من البدن ما ينفعه والشراب بالأقداح الصغار خير من الكبار والتبعيد بين الأقداح لينهضم الأول قبل ورود الثاني أفضل وينبغي أن يحف مجلس الشراب بالمنظر اللذيذ من الأزهار والمحبوبين من الناس والأراييح اللذيذة والسماع المطرب ورفع كل ما يغم ويقبض النفس كالوسخ والصنان واللباس القذر والكمد وبعد غسل البدن والأطراف ولبس المشرف وتسريح الرأس واللحية وتقليم الأظفار وليكن المجلس مشرفا فسيحا بقرب المياه الجارية ومع الظرفاء من الأصدقاء وذلك لأن الشراب يحرك قوى النفس ويثير كل الشهوات فإذا لم نجد كل قوة مطلوبها تأذت وانقبضت فلا تقبل النفس على الشراب كل القبول ولا تنصرف فيه التصرف الواجب فيقل نفعه وربما فسد فكان شره أكثر من نفعه.
ومنافع الشراب منها نفسية ومنها بدنية.
أما النفسية فلا يمكن أن يساويه فيها غيره وذلك كالسرور وبسط النفس وتفسيح أملها وتشجيعها وإزالة البخل والغم والفكر الفاسد وهو أنفع الأشياء للماليخوليا لتفريحه المضاد لا يحاش السوداء وتحسن الظن وتقوى ذهن قوى الدماغ لأن دماغه لا ينفعل عن أبخرة الشراب المسكر بل عن حده اللطيف فيصفو ذهنه صفاء لا يصفو مثله بغيره فلذلك قوى الدماغ لا يسكر بسرعة وبسرعة السكر وبطئه تعلم قوة الدماغ وضعفه.
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 66