اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 17
وأنشدني سيدي وأخي تقي الدين أبي بكر بن حجة ابقاه الله تعالى لبعض المغاربة:
وتحدث الماء الزلال مع الحصا ... فجرى النسيم عليه يسمع ما جرى
فكأن فوق الماء شيئاً ظاهراً ... وكأن تحت الماء داراً مضمرا
رجوع إلى ما كنا فيه قال ابن الظافر العسقلاني في كتابه بدائع البدائه: مررنا في بعض العشايا على بعض البساتين المجاورة لنهر النيل فرأينا بئراً عليها دولابان متحاذيان قد دارت أفلاكهما بنجوم القواديس ولعبت بقلوب ناظريهما لعب الأماني بالمفاليس وهما يئنان أنين أهل الشواق ويفيضان دمعاً أغزر من دموع العشاق، والروض قد جلا للأعين زبرجده والأصيل قد راق حسنه فنثر عليه عسجده والزهر قد نظم جواهره في أجياد الغصون والسواقي قد أدلت من سلاسل فضتها كل مصون، والنبت قد اخضر شاربه وعارضه وطرف النسيم قد ركضه في ميادين الزهر راكضة ورضاب الماء قد قد علاه في الظل ألمى وحيات المجاري حائرة تخاف أن يدركها من زمرد البنان العمى، والبحر قد صقل صقيل النسيم درعه وزعفران العشي قد ألقي في ذيل السماء ردعه فاستحوذ علينا ذلك الموضع استحواذاً وملأ أبصارنا وقلوبنا التذاذاً وملنا إلى الدولابين شاكين أرمزا حين شجت قيان الطير بألحانها أم شدت على عيدانها أم ذكرا أيام نعما وطابا وكانا أغصاناً رطابا فنفيا لذيذ الهجوع ورجعا النوع وأفاضا الدموع طلباً للرجوع.
وقال مجير الدين بن تميم مضمناً:
ودولاب روض كان من قبل أغصنا ... تميس فلما فرقتها يد الدهر
تذكر عهداً بالرياض فكله ... عيون على ايام عهد الصبا تجري
وقال:
تأمل تر الدولاب والنهر إذ جريا ... ودمعهما بين الرياض غزير
كأن النسيم الرطب قد ضاع منهمافأصبح ذا يجري وذاك يدور
وقال بدر الدين يوسف بن لؤلؤ الذهبي (توفي سنة ثمانين وستمائة) :
وروضة دولابها ... إلى الغصون قد شكا
في حين ضاع زهرها ... دار عليه وبكى
واستعمل هذا المعنى صلاح الدين الصفدي في غير الدولاب فقال:
أضحى يقول عذاره ... هل فيكم لي عاذر
الورد ضاع نجده ... وأنا عليه دائر
وقال الشيخ جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة:
أعجب لها ناعورة وقلبها ... للماء منشي العيش والعشب
تعبانة الجسم لكنها ... كما ترى طيبة القلب
وقال سعد الدين بن عربي (ومولده سنة ست وخمسين وخمسمائة، ووفاته سنة اثنتين وستمائة) :
شاهدت دولاباً له أدمع ... تكلفت للروض بالريّ
فأعجب له من فلك دائر ... ما فيه برج غير ماءي
ولآخر:
ابدى لنا الدولاب قولاً معجبا ... لما رآنا قادمين إليه
إني من العجب العجيب كما ترى ... قلبي معي وأنا أدور عليه
قال أبو حنيفة الدينوري الدولاب بضم الدال وفتحها كذا سمعته من فصحاء العرب.
ولآخر:
لله أزهار دوح بات يضحكها ... صوت الغمام بدمع منه منسفك
حكت نجوم السما أزهارها فكاذ ... أضحى يدور بها الدولاب كالفلك
وقال ابن نباتة:
وناعورة قالت وقد ضاع قلبها ... وأضلعها كادت تعد من المسقم
أدور على قلبي فإني فقدته ... وأما دموعي فهي تجري على جسمي
ولآخر:
وذات شجو أسالت ... مدامعاً لم تصنها
تبكي بفرط دموع ... وتضحك الروض منها
ولآخر:
أشبه ما بين القواديس صوتها ... ومن كل وجه ماؤها يتحدر
بأرملة ضمت إليها بناتها ... تنوح بشجو المدامع تقطر
ولآخر:
وناعورة قد ضاعفت بنواحها ... نواحي وأجرت مقلتاي دموعها
وقد ضعفت مما تانَّ فقد غدت ... من الضعف والشكوى تعد ضلوعها
سأل الشيخ نجم الدين القحقيري جماعة من الطلبة المشتغلة عليه عن قول الشاعر (ومولده سنة ثمان وستين وستمائة، ووفاته سنة أربع وأربعين وسبعمائة) :
يأيها الحبر الذي ... علم العروض به امتزج
ابن لنا دايرة ... فيها بسيط وهزج
ففكر بعض الطلبة ساعة طويلة ثم قال هذا في الساقية لأنه أراد بالبسيط الماء والهزج صوت الساقية حال دورانها، فقال له الشيخ: ألا إنك درت فيها زماناً حتى ظهرت لك وهذا الكلام في غاية الطرافة من الشيخ رحمه الله تعالى وقال ابن تميم:
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 17