اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 119
فتضاعفت مكانته عليه ثم أن أحد الوشاة رفع للملك أنه بقى في نفسه من الغلام حرارة وأنه لا يزال يذكره حين تحركه الشمول ويقرع السن على تعذر الوصول فقال للواشي بذلك لا تحرك به لسانك وإلا طار رأسك وأعمل الملك الحيله في أن كتب على لسان الغلام رقعة منها يا مولاي تعلم أنك كنت لي على انفراد ولم أزل معك في نعيم وأنا وأن كنت عند الخليفة مشارك في المنزلة مجاوز ما يبدو من سطوة الملك فتحيل في استدعائي منه وبعثها له مع الغلام صغير السن وأوصاه أن يقول له هي من عند فلان وأن الملك لم يكلمه قط أن سأله عن ذلك فلما وقف أبو عامر على الرسالة واستخبر الخادم فعلم في سؤاله ما كان في نفسه من الغلام وما تكلم به في مجالس المدام وكتب على ظهر الرقعة ولم يزد حرفا: أمن بعد أحكام التجارب ينبغي ... لدىّ سقوط العير في غابة الأسد وما أنا ممن يغلب الحب عقله ... ولا جاهل ما يدعيه أولو الحسد فإن كنت روحي قد وهبتك طائعا ... وكيف ترد الروح أن فارق الجسد فلما وقف الناصر على الجواب تعجب من فطنته ولم يعد إلى استماع واش به ودخل عليه بعد ذلك فقال له كيف خلصت من الشرك قال لأن عقلي بالهوى غير مشترك.
عن إسحاق عن أبيه قال استأذنت الرشيد أن يهب لي يوما ما أيام الجمعة لانبعث قيه بجواري وأخواني فأذن لي في يوم السبت وقال يوم أستثقله فأت فيه بما شئت قال فأقمت يوم السبت بمنزلي وتقدمت في إصلاح طعامي وشرابي بما احتجت إليه وأمرت بوابي بإغلاق الأبواب وتقدمت إليه في ألا يأذن لأحد على فبينما أنا في مجلس والحرم قد حففن بي يترددن بين يدي إذا أنا بشيخ ذي هيبة وجمال عليه خفان قصيران وقميصان ناعمان وعلى رأسه قلنسوة لاطية وبيده عكازة مقمعة بفضة وروايح الطيب تفوح منه حتى ملأت الدار والرواق فدخلني لدخوله على مع ما تقدمت به غيظ عظيم وهممت بطرد بوابي ومن يحجبني لأجله فسلم على أحسن سلام فرددت عليه وأمرته بالجلوس فجلس وأخذ بي في أحاديث الناس وأيام العرب وأشعارها حتى سكن ما بي من الغضب وظننت أن غلماني تحروا مسرتي بإدخال مثله لأدبه وظرفه فقلت له هل لك في الطعام فقال لا حاجة لي فيه فقلت هل لك في الشراب قال ذلك إليك فشربت رطلا فسقيته مثله فقال يا أبا إسحاق هل لك أن تغني لنا شيئاً فنسمع من صنعتك ما قد فقت به عند الخاص والعام فغاظني قوله ثم سهلت الأمر على نفسي وأخذت العود فحبسته ثم ضربت وغنيت فقال أحسنت يا إبراهيم فازددت غيظاً وقلت ما رضى بما فعله في دخوله بغير أذن واقتراحه عليّ أغنية حتى سماني ولم يجمل مخاطبتي ثم قال هل لك أن تزيدنا فندمت وأخذت العود وغنيت وتحفظت وقمت بما غنيته قياما تاما لقوله لي أكافئك فطرب وقال أحسنت يا سيدي وأوثق عددي ثم قال أتأذن لعبدك في الغناء فقلت شأنك واستضعفت عقله في أن يغني بحضرتي بعدما سمعه مني فأخذ العود وحبسه فوالله لقد خلت انه ينطق بلسان عربي واندفع يغني:
ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبدا ليست بذات قروح
أراها على الناس لا يشترونها ... ومن يشتري ذا علة بصحيح
أئن من الشوق الذي في جوانحي ... أنين غصيص بالشراب جريح
قال إبراهيم فوالله لقد ظننت الحيطان والأبواب وكل ما في البيت يجيبه ويغني معه من حسن غنائه حتى خلت والله أني أسمع أعضائي وثيابي تجاوبه وبقيت مبهوتا لا أستطيع الكلام ولا الحركة لما خالط قلبي ثم غنى:
ألا يا حمامات اللوى عدن عودة ... فإني إلى أصواتكن حزين
فعدن فلما عدن كدن يمتنني ... وكدت بأسرار لهن أبين
دعون بترداد الهدير كأنما ... شربن حميا أو بهن جنون
فلم ترعيني مثلهن حمائما ... بكين ولم تدمع لهن عيون
فكاد عقلي أن يذهب طربا، ثم غنى شعرا ليزيد بن الطثرية
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... فقد زادني مسراك وجدا على وجد
أئن هتفت ورقاء في رونق الضحى ... على غصن غض النبات من البرد
بكيت كما يبكي الحزين صبابة ... وذبت من الحزن المبرح والجهد
وقد زعموا أن المحب إذا نأى ... يمل وإن النأي يشفى من الجد
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 119