اسم الکتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي المؤلف : الجندي، علي الجزء : 1 صفحة : 52
ويبدو أن بعض القبائل كانوا يتخذون لهم ديارًا مختلفة تبعًا لفصول السنة ففي الصيف ينزلون دارًا، وفي الشتاء أخرى، وفي مثل هذا يقول طرفة7:
حيثما قاظوا بنجد وشتوا ... بين ذات الحاذِ من ثِنْبَى وقُر
ويقول بعض العرب: "من قاظ الشريف، وتربع الحزن، وشتا الصمان، فقد أصاب المرعى"[8]. فإذا ما انتهى الموسم عادت القبيلة إلى منازلها.
فارتحال القبائل البدوية وتنقلها بين ربوع الصحراء، بمعنى تركهم منازلهم إلى غير رجعة، ما كان يحدث باستمرار على فترات قصيرة، كل شهر أو كل عام، إنما كان يحدث بعد فترات طويلة وتحت ظروف كالتي أشرنا إليها، أما ذهابهم المؤقت إلى بعض الأمكنة في موسم من المواسم ثم يعودون بعد انقضاء حاجاتهم هناك إلى منازلهم الأصلية، فهذا لا شك كان يحدث بحكم الظروف التي كانوا يعيشون فيها، ولعل افتتاحيات القصائد في الشعر الجاهلي كان الشاعر يعبر فيها حقيقة عما حدث فعلًا في رحلات الرعي، أو لعله كان في بدء الأمر حقيقة واقعة تحدث عنها الشعراء الأوائل حينما كانت القبائل تبحث عن مكان ملائم تتخذه منزلًا دائمًا لها.
فكانت تقضي في مكان أو أمكنة بعض الوقت، ثم ترحل إلى أن وجدت كل منها مكانًا يحقق رغباتها، فاتخذته لها منزلًا وديارًا. ثم أصبح هذا الافتتاح الشعري تقليدًا جرى عليه الشعراء اللاحقون تبعًا لأسلافهم السابقين.
ومع أننا ذكرنا ديار القبائل في أثناء الحديث عن أنسابها في الفصل السابق، فسنورد فيما يلي مقتطفات مما جاء في كتب الأدب والتاريخ والشعر في هذا الشأن.
فمما جاء في كتب الأدب والتاريخ عن منازل القبائل العربية في الجاهلية، ما يقوله البكري[9] عن سكان الحجاز.
"وجاء الله عز وجل بالإسلام، وقد نزل الحجاز من العرب: أسد وعبس وغطفان وفزارة ومزينة وفهم وعدوان وهذيل وخثعم وسلول وهلال وكلاب بن ربيعة، وطيئ -وأسد وطيئ حليفان- وجهينة نزلوا جبال الحجاز: الأشعر الأجرد وقدسا، وآره ورضوى،
7 ديوان طرفة للدكتور علي الجندي، البيت 141. [8] صفة جزيرة العرب ص 173. [9] معجم ما استعجم ص 90.
اسم الکتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي المؤلف : الجندي، علي الجزء : 1 صفحة : 52