اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 94
بجمال الوطن كما قلنا، على عشق هذا الجمال[1]، وأما الوطنية، وأما استنهاض العزائم، وأما الدعوة إلى الفداء، فكل تلك معانٍ لا يمسها الشاعر بظاهر اللفظ إلا في رفق يشبه الحياء، ولكن لكم نحسها قوية دامغة في حرارة النغمة، ولطف الإحساس، ونفاذ العبارة! وهذا هو سر الشعر، هوا لهمس إن أردت أن تعرف ما نقصد بذلك اللفظ الذي كأنه سر مغلق.
وبعد، فأنا أخشى أن يكون مصدر ما في أشعارنا من غلظ ضعف في الحاسة الفنية، حاسة الإحساس بالجمال، ثم نقص في القدرة الحقيقية على الحب بمعناه الإنساني الصحيح، ويزيد هذا الخوف في نفسي وضوحا ما ألاحظه من أن شعبنا لا يفطن إلى شيء اسمه جمال في شجرة أو نهر، فجر أو غسق، وإنما يعرف ذلك من سمع منا أو تعلم أن هناك شيئا بهذا الاسم، وأن الله لم يخلق الأشياء لما فيها من نفع مادي للإنسان فحسب، بل خلقها أيضا لمعانٍ روحية، سل مثلا فلاحا عن جمال شيء، تحس لساعتك أنك تخاطبه عن أمر خلا منه ذهنه على الإطلاق! وليس لذلك سبب غير الجهل.
فالإحساس بالجمال ذاته لا بد أن يوقظه العلم، واللبنانيون أكثر اتصالا منا بثقافة الغرب؛ ولذلك نضح إحساسهم، ورهفت أذواقهم، ونضجت نفوسهم، ومن هنا ترانا ندعو جاهدين إلى نقل الثقافة الغربية إن كنا نريد نهضة حقيقية، وما النهضة إلا نوع من الحياة لا أفكار تردد أو نظريات تسرد. [1] وهذا الاتجاه الصحيح في كتابة الأناشيد ليس خاصا بالأدب العربي، فهو واضح في معظم الأناشيد الغربية، ولقد سبق أن ترجمنا نشيد "الرين" للشاعر الألماني نيقولا بيكر بالثقافة "عدد 166" وفيه يتغنى الشاعر بجمال نهرهم وجمال نبيذه وجمال بناته.
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 94