اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 93
يتغنى به الشاعر، هناك شيء من التخصيص لا أدري من أين أتى، فهو يجري في المقطوعة كلها، يجري في الإحساس الصادق بالجمال، يجري في يسر العبارة، يجري في "فيك" بعد "عشقت" الأولى وفي "باء" "بأرض أجدادي" بعد "والفجر لما انتشر" يجري في موسيقى اللفظ، وحرارة القلب.
ويعود القرار: عليك مني السلام ... إلخ، ثم تأتي المقطوعة الثانية ولعلها أجمل ما في النشيد:
أهوى عيون العسل ... أهوى سواقيها
أهوى ثلوج الجبل ... ذابت لآليها
سالت كدمع المقل ... سبحان مجريها
ضاعت كرمز الأمل ... بأرض أجدادي
وهنا يجتمع الإحساس بالجمال الخاص، بالجمال الدال على وطن بعينه، الجبال ذات الثلوج تذوب كاللآلئ يجتمع إلى لوعة النفس، لوعة فيها روحية التصوف. سالت الثلوج كدمع المقل، سالت سبحان مجريها، ضاعت كرمز الأمل. ثروة روحية في تلك المعاني التي بلون بعضها وقد تدفقت في وحدة نفسية بالغة العمق! انظر إلى نار الوطنية تئج في تشبيه ثلوج الجبل الجميل كاللؤلؤ يدمع المقل، انظر إلى التصوف الديني في سبحان مجريها، انظر إلى العتاب القوي المثير للهمم في "ضاعت كرمز الأمل".
ويعود القرار مرة ثالثة، ثم تصل إلى المقطوعة الأخيرة:
يا قوم هذا الوطن ... نفسي تناجيه
فعالجوا في المحن ... جراح أهلية
إن تهجروه فمن ... في الخطب يحميه
ياما أحيلي السكن ... في أرض أجدادي
أوما يفعل هذا العتاب في النفس أكثر مما تفعل ألفاظنا الضخمة ونداءاتنا الغليظة المسرفة؟ فالنفس تناجي هذا الوطن، وقد نزلت به محن جرحت أهليه، هلا عالجتموها! وهأنتم تهاجرون التماسا لسعة الحياة، ولكن أما للوطن أن يلتمس فيكم حماته؟! هذا الوطن الجميل "ياما أحيلي السكن في أرض أجدادي"! عتبا فيه إغراء قوي حتى العبارة عذبة جميلة مؤثرة "ياما أحيلي السكن"، ياما أحيلاه في أرض أجدادي! هذا هو سحر الألفاظ، سحر مستمد من القلوب.
ذلك هو شعر الأناشيد الذي يخاطب النفس فيحركها؛ لأنه يقوم على الإحساس
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 93