responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 143
والأمر في أدبنا العربي أشد خطورة؛ لأن الأوربيين لم يجمدوا على الخطأ كما جمدنا، والذي لا شك فيه أن مناهج كل علم أو فن تصدر عن طبيعة ذلك العلم أو الفن، فعندما نريد درس الأدب العربي يجب أن نكون من الفطنة بحيث لا نحاول أن نطبق عليه آراء الأوربيين وقد صاغوها لآداب غير أدبنا. فعلم الأدب مثلا كما عرفناه سابقا بأنه محاولة تفسير الظواهر الأدبية ليس له دائما مجال في أدبنا؛ لأنك إذا وجدت علاقة ما بين حياة بعض من شعرائنا مثلا وشعرهم كما هو الحال في أبي نواس، والمتنبي، وأبي العلاء، وكما كانت الحال في الأدب الجاهلي والأدب الأموي، فإنك لن تجد شيئا من ذلك عند الشعراء المقلدين الذين نسميهم بالكلاسيكيين الجدد أمثال البحتري وأبي تمام مثلا. وكذلك نظرية الإنتاج الأدبي قد يكون لها محل عند الشعراء الأوائل الذين اهتدوا بأنفسهم إلى تشبيه الرسم الدارس بالوشم في ظاهر اليد وأمثال ذلك. وأما من تلاهم فلم يعدوا التقليد، ولك عندئذ أن تبحث في انتقال القيم الفنية المعروفة، وما أدخلوا عليها من تغيير، وكذلك الحال عندما نحاول تأريخ الأدب العربي، ففنونه وتياراته وعصوره غير متميزة، وهم أنفسهم لم يفصلوا القول إلا في مذهب واحد هو مذهب البديع، فهذا وحده هو الذي يشبه مدارس الأدب في أوربا. وأما ما دون ذلك فمقارنات أشاروا إليها إشارات عابرة، وحاول بعض نقادنا المحدثين أن يجعلها مدارس كما فعل الدكتور طه حسين في مدرسة زهير والحطيئة، ولكنها بعد محاولة لا أدري مبلغ ما فيها من جمع ومنع.
إذن فالذين يبقى لدينا من دراسة القدماء للأدب العربي هو ما نسميه بالنقد الفني، ونعني به ذلك الذي ينظر في النصوص ويحكم فيها من حيث الجودة الفنية وعدمها، وهذا النقد حظ التفسير فيه، ومن ثم ما يسميه الأستاذ خلف الله بالعلم ضعيف، وهذا أمر طبيعي أملته حقائق الأدب العربي ذاته، وكل محاولة لتجريح هذا الاتجاه واتهامه بأنه غير علمي محاولة ظالمة مخطئة.
المنثور في كتاب الأغاني وغيره كتب نقد منهجي مفصل لا نظن أن الأوربيين قد وضعوا في آدابهم خيرا منها، ومع ملاحظة الفارق بين طبيعة أدبنا وآدابهم، وخير مثل لتلك الكتب هو "الموازنة" و"الوساطة" ففي أولهما يتناول الآمدي البحتري وأبا تمام بالدرس التفصيلي والمقارنة المستقصاة وفق منهج وضحته في كتاب أرجو أن يقرأه الناس قريبا[1]، وفي ثانيهما فعل عبد العزيز الجرجاني كذلك في دراسته للمتنبي.

[1] كتاب النقد المنهجي عند العرب.
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 143
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست