اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 141
الجميع؟ أين استهتار بشار وأبي نواس مثلا من فقر حياة أبي تمام؟ بل أين فن هذين من تقليد شيخ البديعيين الذي لم يعد في كل شعره "الرقص في السلاسل" أعني: التقيد بمعاني القدماء ومحاولة تجديد صياغتها.
إذن فالصواب هو أن هناك رجالا، كما قال مورياس على فراش موته، وكل ما يعدو الرجال إلى التعميم مجازفة لا يشفع لها إلا الضرورات الملازمة لحياتنا العقلية. فإذا صح هذا فأي علم وأي قوانين عامة يريد أن يصل إليها الأستاذ خلف الله؟
لم يبقَ أمام زميلنا باب مفتوح غير النقد الأدبي، وهذا ما نريد أن ننظر الآن في إمكان إخضاعه لقوانين عامة.
والواقع أنه قد قامت محاولات لجعل النقد علما، وكل تلك المحاولات يمكن أن نلخصها في اثنتين:
1- الأولى تلك التي ابتدأها أرسطو التي ازدهرت في أدب عصر النهضة، وهو الأدب المعروف بالكلاسيكي، وأساس تلك المحاولة هو استقراء ما درج عليه عرف الأدباء في كل فن من فنون الأدب، وجعل ذلك العرف قوانين، ومحاولة إخضاع الإنتاج الأدبي لها، وأسهل مثل لذلك هو الوحدات الثلاث في الدراما. أعني وحدة الزمان ووحدة المكان ووحدة الموضوع، ووجوب توفرها في كل دراما. ومن الثابت أنه لم يخضع لتلك القوانين حتى في الأدب الكلاسيكي إلا المقلدون من الأدباء؛ وذلك لأنها عكاز الأعمى، وأما كبارهم فقد مزقت عبقرياتهم كل عرف وكل قانون. تجد الوحدات مثلا أوضح عند برادون منها عند راسين أو كورني، ويا ويل أدب يحده شيء غير الحياة.
2- والمحاولة الثانية هي التي أحاربها اليوم بكل قواي، وهي في الحق من "مخالفات الماضي، من مخلفات القرن التاسع عشر في أوربا، ومن مخلفات "الأعجمي" قدامة في الأدب العربي. وأعني بها تطبيق القوانين التي اهتدت إليها العلوم الأخرى على الأدب ونقد الأدب، وهنا لا بد لي من تفصيل القول". وأنا أبدأ بما حدث في أوربا لكي انتهى منه في أسطر لأفرغ إلى أدبنا، فهو مادة حياتنا وهو أولى بأن نوفر عليه جهدنا لنوجهه الوجهة الصحيحة المنتجة.
كلنا يعلم قيام مذهب التطور في أواخر القرن التاسع عشر بأوربا بفضل أبحاث لامارك ودارون، وكلنا يذكر أن سبنسر قد نقل قوانين التطور من مجال العضويات إلى مجال الروحيات فطبقه على الأخلاق والاجتماع وعلم النفس وما إليها.
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 141