اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 140
إنما يفسر أسرار شعره هو، إذن فحتى في هذه المعضلة لا مجال لتعميمات العلم!
بقي تاريخ الأدب والنقد الأدبي.
وفي الحق أن التاريخ الأدبي بالمعنى المعروف اليوم فيه جانب كبير من التجوز الذي تضطرنا إليه ضرورة التعليم، والناظر في طرق تاريخ الآداب المختلفة يجد أنها لا تكاد تعدو ثلاثة أنواع:
1- تأريخ لفنون الأدب Genres Litteraires أو كما نقول في الأدب العربي مثلا: أغراض الشعر، فتتناول في الأدب الغربي فن الملاحم نؤرخ له أو فن القصة أو الدراما، وفي الشعر العربي نتتبع تاريخ المدح أو الرثاء وهكذا.
2- تأريخ للتيارات العقلية والأخلاقية Les courants كدراستنا لتيار شعر اللذة الحسية عند أناكريون ورونسار ومن نحا نحوهما، أو الغزل العذري عند بترارك وبابيف، أو عند العرجي وعمر بن أبي ربيعة، وعند جميل وقيس بن ذريح.
3- تأريخ لعصور الذوق Les epoques du gout فندرس عصر الإنتاج الكلاسيكي في أثينا خلال القرن الخامس قبل الميلاد مثلا، أو ندرس عصر الصنعة أيام البطالسة بالإسكندرية، ندرس مذهب التثقيف عند أوس بن حجر وزهير والحطيئة وكعب، أو مذهب البديع عند مسلم وبشار وأبي نواس وأبي تمام.
وكل هذه الأنواع إنما نجعلها وحدات لاضطرارنا إلى الاعتماد على الكليات في إدراك ذلك الفيض الذي يكون تراث البشرية الروحي، ولكنا عندما ندقق النظر نجد مفارقات لا حصر لها في داخل كل نوع، فرثاء أصحاب المراثي الذين أفردهم ناقدنا العليم ابن سلام الجمحي بباب خاص، وجعل متمم بن نويرة على رأسهم، غير رثاء البحتري وأبي تمام مثلا، ذلك لوعة وهذا مدح، وشعر أنا كريون اليوناني غير شعر رونسار الفرنسي، ولو اتفقا في التغني بالذات، ذلك يوناني يحب الحياة حتى ليكاد ينهبها نهبا، وهذا فرنسي من رجال النهضة يقلد القدماء ويود لو أصاب الخلود مثلهم، وأين صفاء البحر الأبيض من ضباب اللوار؟ ثم من يقول بأن إباء جميل وقوة نفسه يشبه رقة ابن ذريح وتولهه؟ وكذلك الأمر في عصور الذوق، فأوس وزهير يغايران الحطيئة في لون النفس.
هذان ذوا أنفة وترفع والحطية هجاء لم يبق حتى على نفسه، ثم هل بي حاجة لأن أقرر أن مسلما غير بشار، وأن بشارا غير أبي نواس، وأن أبا تمام يغاير
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 140