responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 124
الحشر قد أنسته كل شيء، ذكره ابن القارح بما نسي، فيعجب الرجل من عدم ذهاب ذاكرة ابن القارح مع أنه قد مر بلا ريب بالحشر وبالصراط قبل أن يصل إلى الجنة، وهنا يحتال أبو العلاء فيعود إلى ما كان يجب أن يبدأ به فيدفع ابن القارح إلى سرد قصته الممتعة على عبور الصراط وكأنه في سبيل العبور بالفعل، ثم يعود به إلى الجنة ومنها إلى الأعراف يشرف من عليائها على أهل النار، وفي النهاية يرجع ثانية إلى الجنة، وبهذا ينتهي الجزء الأول من الرسالة وهو الذي يعنينا؛ إذ الجزء الثاني رد على رسالة ابن القارح عن الزندقة والزنادقة.
وفي الحق أن من الروايات ما يبدؤه كتابه من منتصف القصة، بل أحيانا من نهايتها دون أن ينال ذلك من جمال القصص إن لم يزده تشويقا، ولكن هذا ممكن عندما يكون للقصة موضوع واحد يفسر بعض أجزائه البعض الآخر، وأما في رسالة الغفران، حيث الأمر كله أمر مناظر مختلفة وحوادث متفرقة، ومقابلات شتى بين أمكنة متعددة وأشخاص متباينين، فنظام يلوح مهشما.
نعم إن دانتي قد أسرف في تنظيم "كوميدياه" وأمل بعض الملل بتقاسيمه المنطقية التي عهدها كل رجال القرون الوسطى، فجعل كلا من الجحيم والمطهر والجنة تسع طبقات، كما جعل من وصفه لكل منها ثلاثا وثلاثين أغنية لولوع المسيحيين بالعدد ثلاثة ومضاعفاته، تقديسا لثالوثهم الإلهي، ولكن أبا العلاء بدوره قد أهمل وحدة التأليف إهمالا تاما، بل نحن لا نظن أنه قد قصد إلى شيء من هذا، وإنما هي كما ذكرت مجموعة من تداعي ما يحفظ، ولعله في هذه الرسالة قد كفر عما في لزومياته وفصوله وغاياته من تنظيم وتقييد أضنياه أكثر مما يضنيان القارئ اليوم.
ومع هذا فنحن لا نتخذ من انعدام الوحدة سبيلا للحط من قدر هذه الرسالة الممتعة؛ إذ فيها من الصفات الأخرى ما يحتفظ لها بقيمتها من ناحية الصياغة، فوق ما بها من ألوان نفسية، ولنفصل ذلك في إيجاز:
نعم، إن الرسالة عارية عن تلك القيم الرمزية التي تشهد لدانتي بالعبقرية، والكل يعلم كيف افتن الشاعر الإيطالي في وصف وتصوير أنواع العذاب والنعيم مقيما رابطة بين عمل من يصلى العذاب أو ينعم بالنعيم وبين ما هو فيه من ذلك، على نحو ما نرى العواصف تتقاذف أصحاب الشهوات وسط النيران أو المنتحرين يقضي عليهم بأن يحيوا حياة أبدية سجينين داخل الأشجار التي استحالت قشراتها أسيجة منيعة، وفي القرآن بعض هذا كقوله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ

اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 124
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست