responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 123
فأبو العلاء لا يشبه أحدا على الإطلاق، فلقد التمس له النقاد أشباها من لوكريس إلى أناتول فرانس إلى دانتي إلى ملتون إلى شوبنهور إلى الخيام، وليس في كل ما كتب إلا ضروب من التجوز وإغفال لدقيق المفارقات، إذ أين إيمان دانتي وملتون من يأس أبي العلاء؟ وأين تقريرات لوكريس من عبث رجلنا الفكري؟ وأين تشاؤم شوبنهور الفلسفي من ثورته العاطفية؟ وأين سخرية أناتول فرانس من استهتاره؟
ثم كيف تنعقد مقارنة بين الخيام والمعري، والخيام رجل عاف الحياة لطول ما انغمس في خمرها، حتى إذا هفت نفسه إلى الفناء المطلق أحسسنا فيه لساعتنا عدميا واعيا بما يفعل، صادفا عن ملل: "ملك يا إلهي وجودي وضيق صدري وفراغ يدي، يا من يجعل من العدم وجودا أخرجني من عدمي بحرمة وجودك". بينما أبو العلاء رجل لم ينصرف عن متع الحياة إلا لأن خيارها "قد خنس عنه" فالتمس في أعياد الذكاء عزاء عن الحرمان.
وواجب النقد فيما أحسب هو فهم تجارب الكتاب والشعراء فهما نفسيا لا تحده أصول ولا يمليه علم، وإنما نستعين بالعلم وبالأصول عند دراسة صياغة ما كتبوا.
ورسالة الغفران من هذه الناحية ليست "كتوهم" المحاسبي الذي يطلب إلى قارئه أن يتصور ما هو صائر إليه من نعيم أو عذاب في آيات القرآن وأحاديث النبي ما يبصرنا بوقعها في النفوس، إن لم يبصرنا بمجسماتها على وجه التحديد، وهي ليست لخلق العالم وخروج آدم من الجنة، كما فعل ملتون في "فردوسه المفقود"؛ بل ولا تصويرا شعريا للعالم الآخر، كما يحدثنا الإسلام، وإنما هي حيلة أدبية تجمع -كما قلنا- بين بعض حقائق الدار الأخرى وبين أدباء وكتاب العرب، كما يحدثنا عنهم التاريخ.
وأبو العلاء يفكر أو يعبث بكل هذا معتمدا على ما يحفظ، يهيئ له المناسبات، بحيث إن وحدة تأليفه لا تلوح في غير تداعي الألفاظ، أو على الأكثر تداعي المعاني لروابط شكلية أكثر منها داخلية.
وهذه الحقيقة أظهر ما تكون في هيكل الرسالة، فلقد بدأ المعري بأن نقل ابن القارح إلى الجنة رأسا بفضل كلمة الطيب الذي يستطيع أن يصعد به إلى السماء، وهناك لقي من لقي من شعراء، حتى إذا كان بينه وبين أحد عوران قيس حوار يسأل فيه ابن القارح أعور قيس عن بعض أبياته فقلا يذكرها مدعيا أن وقفة

اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 123
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست