اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 122
أَكْبَرُ} ، كما يأبى الهذلي إلا أن يحتلب ناقة مطلقة قيضها الله بقدرته إرضاء لهوى نفسه التي لا تتذوق إلا ما اعتادت رغم ما في الجنة من أنهار من لبن، حتى إذا أصاب ما يريد صاح أن {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43] .
وعند أبي العلاء أنه ما دمنا قد رفضنا الواقع وثرنا على ظلمه حتى تحرر العقل من حكمه "فليس ثمة شيء على قدرة ربنا بعزيز، بل قدرة خياله هو وعبثه الجريح، فللنفوس أن ينتزع غلها أو يعود وللجنة أن تضم خيار البشر أو الوحوش، ولسكانها أن ينعموا بلذاتها أو يعودوا إلى ما ألفوا من قنص واحتلاب، بل للهذلي أن يحمد الله على أن هداه إلى حليبه وأن يرى في ذلك الحليب تلكم الجنة التي يورثها المؤمنون، فالأمر كله عبث "وما لأمر حقيقة".
بل للكائنات أن تتناسخ، كما يحلو للتصور ويمكن من العبث، فإذا مر بابن القارح رف من الأوز انتفضن فصرن جواري كواعب يرفلن في وشي الجنة وبأيديهن المزاهر وأنواع ما يلتمس من الملاهي! بل لشجر الجوز أن يينع لوقته ثم يساقط عددا لا يحصيه إلا الله، وتنشق كل واحدة منها عن أربع جوار يرقن الرائين، يرقصن على أبيات منسوبة للخليل، كما يعبر طاوس من طواويس الجنة يسر من رآه حسنا، فيشتهيه أبو عبيدة مصوصا[1] فيكون كذلك في صفحة من الذهب، فإذا قضى منه الوطر انضمت عظامه بعضها إلى بعض ثم يصير طاوسا كما بدأ، فتقول الجماعة: "سبحان من يحيي العظام وهي رميم" {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260] .
ولقد يكون في هذا ما يتفق مع ما قال به الهنود أو اليونان من تناسخ علم به أبو العلاء، ولكن الوقوف عند هذا الفهم لا يرينا من نفسية أبي العلاء إلا شكلها الخارجي، وثورة على الواقع، وعبث بالممكنات، وفي هذا جماع حقيقته النفسية.
وتلك تجربة أبي العلاء لا يغني في فهمها منهج ولا أصول للنقد؛ لأن النفوس -كما قلنا- ليست قطرات ماء أو أوراق شجر يمكن أن يشابه بعضها بعضا، وإنما هي حقائق فريدة تحس أكثر مما تدرك. [1] طعاما على طريقة خاصة.
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 122