اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 125
وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35] . ولكن أبا العلاء لم يفكر في شيء من ذلك.
ومع هذا فثمة خصائص أخرى تكسب "الرسالة" من الخفة والحياة ما لم يتوفر لكوميديا دانتي. فهناك تلك الواقعية التي تطالعنا في الحوار وفي المشاهد فتقربنا من حياة العرب الخشنة، كما نألفها في كتب التاريخ والأدب مما يجدد لذة القارئ، وفي قنص عدي بن زيد واحتلاب الهذلي للناقة، أمثلة جيدة لما نقول. وهنالك عنصر التمثيل بما يحمل من حركة وحوار يخالطهما العبث فتفتر الشفاة ويستقيظ الانتباه، وفي قصة عبور الصراط مثل رائع لذلك. حتى لتكاد تكون مهزلة صغيرة متماسكة كأروع ما كتب مؤلفو المسرح، وهل أبلغ في الهزل من أن نرى في يوم الحشر الذي تشيب من هوله النواصي شيخا أبيض اللحية مرسلها كابن القارح يصاح به وسط الجموع: "يا علي بن منصور! يا علي بن منصور! يا قاضي حلب"، أو أن نراه على الصراط وقد عجز عن عبوره فحملته إحدى جواري الجنة زقفونة، على نحو ما يفعلون في "كفر طاب"، وهناك أخيرًا العبث الذي يعتمد على التناقض والإسراف في النسب يستعين بها الكاتب على أداء كل ما يعرف وما يريد أن يقول في تقية بل في خفر.
وتلك فيما أحسب أهم وسائل أبي العلاء الفنية نضيفها إلى الحالة النفسية التي سيطرة عليه فنخرج بنوع من الفهم إن لم يكن مطابقا لحقيقة تلك الرسالة فهو مقارب قربا أرجو أن يدنيها من القراء.
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 125