وهذه عيون الأخبار نظمتها لمغفل التأدب تبصرة ولأهل العلم تذكرة ولسائس الناس ومسوسهم مؤدّبا وللمولك مستراحا من كدّ الجدّ والتعب وصنّفتها أبوابا وقرنت الباب بشكله والخبر بمثله والكلمة بأختها ليسهل على المتعلم علمها وعلى الدارس حفظها وعلى الناشد طلبها، وهي لقاح عقول العلماء ونتاج أفكار الحكماء وزبدة المخض وحلية الأدب وأثمار طول النظر والمتخيّر من كلام البلغاء وفطن الشعراء وسير الملوك وآثار السلف. جمعت لك منها ما جمعت في هذا الكتاب لتأخذ نفسك بأحسنها وتقوّمها بثقافها وتخلّصها من مساوىء الأخلاق كما تخلص الفضة البيضاء من خبثها، وتروضها على الأخذ بما فيها من سنة حسنة وسيرة قويمة وأدب كريم وخلق عظيم، وتصل بها كلامك إذا حاورت وبلاغتك إذا كتبت، وتستنجح بها حاجتك إذا سألت، وتتلطف في القول إن شفعت، وتخرج من اللوم بأحسن العذر إذا اعتذرت فإنّ الكلام مصايد القلوب والسحر الحلال، وتستعمل آدابها في صحبة سلطانك وتسديد ولايته ورفق سياسته وتدبير حروبه، وتعمر بها مجلسك إذا جددت وأهزلت وتوضح بأمثالها حججك وتبذّ باعتبارها خصمك حتى يظهر الحقّ في أحسن صورة وتبلغ الإرادة بأخف مؤونة، وتستولي على الأمد وأنت وادع وتلحق الطّريدة ثانيا من عنانك وتمشي رويدا وتكون أوّلا هذا إذا كانت الغريزة مواتية والطبيعة قابلة والحسّ منقادا، فإن لم يكن كذلك ففي هذا الكتاب، لمن أراه عقله نقص نفسه فأحسن سياستها وستر بالأناة والرويّة عيبها ووضع من دواء هذا الكتاب على داء غريزته وسقاها بمائه وقدح فيها بضيائه، ما نعش منها العليل وشحذ الكليل وبعث الوسنان وأيقظ الهاجع حتى يقارب بعون الله رتب المطبوعين.
ولم أر صوابا أن يكون كتابى هذا وقفا على طالب الدنيا دون طالب