الآخرة ولا على خواص الناس دون عوامّهم «1» ولا على ملوكهم دون سوقتهم، فوفّيت كلّ فريق منهم قسمه ووفّرت عليه سهمه وأودعته طرفا من محاسن كلام الزهاد في الدنيا وذكر فجائعها والزوال والانتقال وما يتلاقون به إذا اجتمعوا ويتكاتبون به إذا افتر قول في المواعظ والزهد والصبر والتقوى واليقين وأشباه ذلك لعل الله يعطف به صادفا، ويأطر على التوبة متجانفا، ويردع ظالما ويلين برقائقه قسوة القلوب. ولم أخله مع ذلك من نادرة طريفة وفطنة لطيفة وكلمة معجبة وأخرى مضحكة لئلا يخرج عن الكتاب مذهب سلكه السالكون وعروض أخذ فيها القائلون، ولأروّح بذلك عن القارىء من كدّ الجدّ وإتعاب الحق فإنّ الأذن مجّاجة والنفس حمضة، والمزح إذا كان حقا أو مقاربا ولأحايينه وأوقاته وأسباب أوجبته مشاكلا ليس من القبيح ولا من المنكر ولا من الكبائر ولا من الصغائر إن شاء الله.
وسينتهي بك كتابنا هذا إلى باب المزاح والفكاهة وما روى عن الأشراف والأئمة فيهما، فإذا مرّ بك، أيها المتزمّت، حديث تستخفه أو تستحسنه أو تعجب منه أو تضحك له فاعرف المذهب فيه وما أردنا به.
واعلم أنك إن كنت مستغنيا عنه بتنسكك فإن غيرك ممن يترخّص فيما تشدّدت فيه محتاج إليه، وإنّ الكتاب لم يعمل لك دون غيرك فيهيّأ على ظاهر محبتك، ولو وقع فيه توقّي المتزمّتين لذهب شطر بهائه وشطر مائه ولأعرض عنه من أحببنا أن يقبل إليه معك.
وإنما مثل هذا الكتاب مثل المائدة تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف شهوات الآكلين، وإذا مرّ بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة أو فرج