عارفين وبشكره آناء الليل والنهار هارفين إنه أقرب المدعوّين وأجود المسؤولين.
وإني كنت تكلفت لمغفل التأدب من الكتّاب كتابا من المعرفة وفي تقويم اللسان واليد حين تبيّنت شمول النقص ودروس العلم وشغل السلطان عن إقامة سوق الأدب حتى عفا ودرس، بلغت به فيه همّة النفس وثلج الفؤاد وقيّدت عليه به ما أطرفني الاله ليوم الإدالة، وشرطت عليه مع تعلّم ذلك تحفّظ عيون الحديث ليدخلها في تضاعيف سطوره متمثلا إذا كاتب، ويستعين بما فيها من معنى لطيف ولفظ خفيف حسن إذا حاور. ولما تقلّدت له القيام ببعض آلته دعتني الهمة إلى كفايته وخشيت إن وكلته فيما بقي إلى نفسه وعوّلت له على اختياره أن تستمرّ مريرته على التهاون ويستوطىء مركبه من العجز فيضرب صفحا عن الآخر كما ضرب صفحا عن الأوّل، أو يزاول ذلك بضعف من النية وكلال من الحدّ فيلحقه خور الطباع وسآمة الكلفة. فأكملت له ما ابتدأت وشيّدت ما أسّست وعملت له في ذلك من طبّ لمن حبّ بل عمل الوالد الشفيق للولد البرّ ورضيت منه بعاجل الشكر وعوّلت على الله في الجزاء والأجر.
فإنّ هذا الكتاب، وإن لم يكن في القرآن والسّنّة وشرائع الدين وعلم الحلال والحرام، دال على معالي الأمور مرشد لكريم الأخلاق زاجر عن الدناءة ناه عن القبيح باعث على صواب التدبير وحسن التقدير ورفق السياسة وعمارة الأرض وليس الطريق إلى الله واحدا ولا كل الخير مجتمعا في تهجّد الليل وسرد الصيام وعلم الحلال والحرام، بل الطرق إليه كثيرة وأبواب الخير واسعة وصلاح الدين بصلاح الزمان، وصلاح الزمان بصلاح السلطان، وصلاح السلطان بعد توفيق الله بالإرشاد وحسن التبصير.