responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام المؤلف : النعمان عبد المتعال القاضي    الجزء : 1  صفحة : 231
استطاع، وقدم كل ما يملك لهذا الأخ الذي استنجد به في المعركة في بسالة لا نظير لها، فلا ضير إذا هلك، فهو شجاع لا يجبن عن ملاقاة الأقران، عفيف لم يمتد طرفه إلى عرس جاره، ولم يؤذِ أحدًا من قومه، وهو منيع الجار، لا يقبل الضيم، وإذا أهيج يكرهه خصمه إذا لاقاه لصلابته وفتكه، وهو الآن يشعر بدنو أجله، ويحس أنه عما قريب مفتقد، فسوق يدركه الموت الذي لا مفر منه، ولن يشفع له حبه الحياة، وآنذاك سوف تعول نائحات ساجيات الطرف عليه في العراق.
ألم يأنِ لعاذلتيه أن تكفا عن لومه؟ وأن تهدياه إلى الطريق القويم إن استطاعتا؟ وأن تردا عنه الموت لو تأتى لهما؟ ولكن هذا محال.
وبهذا الاستبطان والتأمل الذاتي فلسف الشاعر موقفه من الموت، وجعل من رثاء شهداء الطالقان موضوعًا إنسانيًّا كبيرًا، وإن شاع في نهاية هذه الفلسفة نفس الروح الإسلامية، في التسليم بالقدر والاستسلام للقضاء. وشاعت نفس هذه المعاني في الرجز، فطبعته طوابع إسلامية؛ كالإيمان بأحقية الموت، والثقة بالله، والتسليم بقضائه.
فهذا أخو بني كاهل يرثي نفسه وينعيها إلى أخيه، ويدعوه إلى أن يصبر في لقاء عدوه، وكأنه يستخلفه مكانه، فيقول:
وجاشت النفس على التراق ... صبرا عفاق إنه الفراق1
وهذا الأعور بن قطبة يستشعر شعورين متضاربين من الغبطة والحزن في لحظة واحدة يوم أغواث، فقد قتل أخوه قائدًا من قواد الفرس، ولكن هذا القائد طعنه قبل أن يسقط، فهو فرح لأن أخاه أبلى هذا البلاء، ولكنه حزين لفقد أخيه البطل فيقول:
لم أرَ يومًا كان أحلى وأمر ... من يوم أغواث إذا افتر الثغر
من غير ضحك كان أسوى وأبر2
وهكذا نجد هذين الموضوعين القديمين يتطوران في شعر الفتح؛ إذ يتطور الفخر القبلي الذي يقوم على التفاخر بالأحساب والعصبيات والنعرات إلى شعر يفخر فيه

1 الطبري ج5، ص2328.
2 مروج الذهب ج2، ص206.
اسم الکتاب : شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام المؤلف : النعمان عبد المتعال القاضي    الجزء : 1  صفحة : 231
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست