وكلّ هذا يدل على أن لبيدًا كان قد أصبح لسان قومه، وأن نجمه في خدمة القبيلة كان في صعود مستمر حتى أصبح اسمه لامعًا في مجال الشعر.
كان لبيد من أجواد العرب، وكان قد آلى في الجاهلية أن لا تهب صبًا إلا أطعم، وكانت له جفنتان يغدو بهما ويروح في كل يوم على مسجد قومه فيطعمهم.
فهبت الصَّبا يومًا ووليد بن عقبة على الكوفة، فصعد الوليد المنبر فخطب الناس ثم قال: إنّ أخاكم لبيد بن ربيعة قد نذر في الجاهلية، أن لا تهب صبًا إلا أطعم، وهذا يوم من أيامه وقد هبت صبًا فأعينوه وأنا أول من يفعل، ثم نزل عن المنبر فأرسل إليه بمائة بَكْرَةٍ وكتب إليه بأبيات قالها:
أرى الجزَّارَ يشحذ شفرتيه ... إذا هبَّت رياح أبي عقيل
أشم الأنف أصيد عامري ... طويل الباع كالسيف الصقيل
وَفَى ابن الجعفري بحلفتيه ... على العلات والمال القليل
بنحر الكُوم[1] إذ سحبت عليه ... ذيول صبًا تجاوب بالأصيل
فلما بلغت أبياته لبيدًا قال لابنته: أجيبيه فلعمري لقد عشت برهة وما أعيا بجواب شاعر: فقالت ابنته:
إذَا هبت رياح أبي عقيل ... دعونا عند هبَّتِها الوليدا
أشم الأنف، أروع عبشميًّا ... أعان على مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب كأن ركبا ... عليها من بني حام قُعُودا
أبا وهب جزاك الله خيرًا ... نحرناها فأطعمنا الثريدا
فعد إنَّ الكريم له معاد ... وظني لا أبا لك أن تعودا
فقال له لبيد: قد أحسنت لولا أنك استطعمته، فقالت: إن الملوك لا يُسْتَحْيَا من مسألتهم، فقال: وأنت يا بنية في هذه أشعر[2]. [1] الكُوم: الإبل الضخمة، جمع أكوم وكوماء. [2] أبو الفرج الأصبهاني، الأغاني، ج15، ص 298، 299.