إنك شيخ خائن منافق ... بالمخزيات ماهر مطابق1، 2
ويقال إنّ بني عامر أقاموا في منفاهم حولًا، ويدلّ شعر لبيد على أن بعض المشكلات في ذلك المنفى كادت تفرق بينهم، وأنه كان له الفضل في توحيد الكلمة قال:
ويوم منعت الحي أن يتفرقوا ... بنجران فقري ذلك اليوم فاقر3
وكان زعيم الجعفريين في أيام المنفى هو عمّ لبيد أبو براء عامر بن مالك مُلاعب الأسنّة، وقد أبى هذا الزعيم أن يقبل بمصاهرة بني الحارث بن كعب، وأمر قومه بلبس السلاح وركوب الخيل، ثم قال لهم: "سيروا حتى تقطعوا ثنية القهر -وهي ثنية باليمن- فإذا قطعتموها فانزلوا". ففعلوا ما أمرهم به، ثم لحق بهم عند الثنية وقال لهم: "هل أخذت لكم دية أو أبتكم على خسف قط؟ قالوا: لا. قال: والله لتطيعنني أو لأتكئنّ على سيفي حتى يخرج من ظهري. أتدرون ما أراد القوم؟ أرادوا أن يرتبطوكم فتكونوا فيم أذنابًا، ويستعينوا بكم على العرب وأنتم سادة هوزان ورؤساؤهم". ونصحهم أبو براء بالعودة إلى أوطانهم ومصالحة أقربائهم. فعادوا ونزلوا على حكم جوّاب، وفي هذه المرة كانت نفس لبيد قد هدأت نحو جوّاب، ولم يشأ وهو ابن القبيلة أن يخرج على روح الصلح والوئام. وأخذ يتحدّث إلى بني أبي بكر بأن المحافظة على علاقات الود والقربى أجدى على الفريقين من الخصام قال:
فأبلغ بني بكر إذا ما لقيتها ... على خير ما يلقى به من تَزَغَّما4
أبونا أبوكم والأواصر بيننا ... قريب، ولم نأمر منيعًا[5] ليأثََمَا
فإن تقبلوا المعروف نصبر لحقِّكم. ... ولن يعدم المعروف خُفًّا ومَنْسِمًا6
1مطابق: ترسف في المخازي.
2 أبو الفرج الأصبهاني، الأغاني، ج15، ص 292- 295.
3 فاقر: عميق. المعنى: إن فعلي في لَمّ شتات القبيلة ومنعها من التفرق بنجران كان عملًا ذا أثر عميق.
4 التزغُّم: حنين خفي كحنين الفصيل. والمتزغم: المتغضب. [5] منيع: هو ابن عروة، قاتل مرة بن طريف، ومنيع من بني أبي بكر بن كلاب.
6 الخفّ للبعير. والمنسم: طرف الخف والحافر، والمعنى: لن يعدم المعروف قومًا يقومون بأمره ويسعون من أجله.