قيل: وكان لبيد أحد المعمرين، وهو القائل لما بلغ تسعين حجة:
كأني وقد جاوزت تسعين حجة ... خلعت بها عني عذار لجامي
رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى ... فكيف بمن يُرْمَى، وليس برامي
ولو أنني أرمي بسهم رأيتها ... ولكنَّني أُرمى بغير سهام
وقال حين بلغ عشرين ومائة:
وغنيت دهرًا قبل مجرى داحس، ... لو كان للنفس اللجوج خلود
وقال حين بلغ أربعين ومائة:
ولقد سئمت من الحياة وطولها، ... وسؤال هذا الناس كيف لبيدُ؟
غلب الزمان، وكان غير مغلَّب ... دهر طويل دائم ممدود
يوم إذا يأتي علي، وليلة ... وكلاهما بعد انقضاه[1] يعود
ثم أسلم، وحسن إسلامه، وجمع القرآن وترك قول الشعر[2] قال أبو عبيدة: لم يقل لبيد في الإسلام إلا بيتًا واحدًا وهو:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى لبست من الإسلام سِرْبَالا[3].
كتب عمر بن الخطاب إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة: أن استنشد من قبلك، من شعراء مصرك ما قالوا في الإسلام، فأرسل إلى الأغلب الراجز العِجْلِيِّ فقال له: أنشدني فقال:
أرجزًا تريد أم قصيدًا ... لقد طلبت هينًا موجودَا
ثم أرسل إلى لبيد فقال: أنشدني. فقال: إن شئت ما عُفِيَ عنه، يعني الجاهلية، فقال: لا أنشدني ما قلتَ في الإسلام، فانطلق فكتب سورة البقرة في صحيفة، ثم أتى بها وقال: أبدلني الله هذه في الإسلام مكان الشعر فكتب بذلك المغيرة إلى عمر [1] ويروى: "بعد المضاء"، ويروى أيضًا: "بعد المضي". [2] القرشي، جمهرة أشعار العرب، ص70، 71. [3] أبو الفرج الأصبهاني، الأغاني ج15، ص 297.