اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 204
ومسالك معانيه، وهذه وتلك حين يجريها بصير بمواقع الكلمة تراها تهز الكلمات هزا يبعث مضمرات دلالاتها، وإدراك ذلك في تحليل الأسلوب عمل دقيق لا يهتدي إليه من يهمل نفسه.
قلت: إن اسم الإشارة كما يدل لفظه يعني غاية الوضوح والتمييز، وقد يكون ذلك في الأشياء المحسوسة كما في الأمثلة السابقة.
وقد يعظم المعنى في نفس المتكلم حتى يخيل إليه أنه صار شيئًا محسا يشار إليه، فيدل عليه باسم الإشارة، وفي هذه المعاني تظهر قيمة أخرى لهذه الخصوصية، فتعطي عطاء جديدًا يثري المعنى، ويخصب التعبير، انظر إلى قول ابن الدمينة يخاطب صاحبته: "من الطويل"
أبيني أفي يمنى يديك جعلتني ... فأفرح أم صيرتني في شمالك
أبيت كأني بين شقين من عصا ... حذار الردى أو خيفة من زيالك
تعاللت كي أشجى وما بك علة ... تريدين قتلي قد ظفرت بذلك
يريد أن يعرف في البيت الأول منزلته عند صاحبته، والعرب تقول في الشيء إذا كان موضع العناية والاهتمام: هو في يمينه أو تلقاه بيمينه، أو أخذه بيمينه، وإذا كان بالضد من ذلك قالوا: صيره في شماله أي أنه لم يحفل به، ولم يجعله موضع العناية، ويصور الشاعر في البيت الثاني قلقه الحذر المشغوف خوفا من فراقها, وشاهدنا في البيت الثالث في قوله: قد ظفرت بذلك، فقد خيل باسم الإشارة أن قتله صار حقيقة مجسدة يشار إليها كما يشار إلى المحسوسات البينة، وفي البعد إشارة إلى أن قتله مما لم يتيسر لمن يبغيه، وأنه أمر بعيد ومع هذا فقد ظفرت به، ولو أن الشاعر قال: قد ظفرت به لما كان التعبير على هذا المستوى من الحسن والقوة؛ لأنه تفوته الإشارة إلى ادعاء ظهور قتله، وأنه مما لم يظفر به من يبتغيه.
قلت: إن إشارة البعد إلى معنى أن قتله لم يتيسر لمن يبتغيه، هو الذي جعل
اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 204