اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 203
وكذلك عن غرض تعريفه بالإشارة، ويبقى بعد ذلك بحث عن سر استعمال نوع معين من الإشارة، كالإشارة للقريب في أبيات الفرزدق، وقد يكون هذا السر هو الإشارة للبعيد في الآية الأولى، فواضح أنه السمو فلاحهم، وبعد منازلهم، والإشارة للبعيد في الآية الثانية تفيد بعدهم عن الرشد، ومنازل الفائزين، وهذا يجعلنا نقف قليلًا لنقول: إن معنى البعد والقرب الكامن في أسماء الإشارة معنى طيع خاضع لسياق الكلام ما دام الذي يصوغ الأسلوب من ذوي البصر في رياضة التراكيب، نجد البعد يعطي ألوانا متعددة، وكذلك القرب كما رأيت في الآية والشعر، وتجد مثله كثيرًا، فالفرزدق، حينما يخاطب جريرًا بقوله: "من الطويل"
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع
نجد البعد في المسند إليه مشيرًا إلى بعد منزلتهم، من أن يتطاول مثل جرير، فيأتي بمثلهم، وقد رأيت دلالة البعد في الآيتين السابقتين، كما رأيت القرب في أبيات الفرزدق مشيرا إلى مخالطته القلوب، وترى القرب في قول الذهلول بن كعب العنبري أو غيره: وهو من شواهد هذا الباب: "من الطويل"
تقول ودقت نحرهنا بيمينها ... أبعلي هذا بالرحى المتقاعس
ففي الإشارة للقريب معنى الاستخفاف، ودنو المنزلة، وأنه لصيق بالتراب متقاعس يطحن بالرحى كما يفعل من لا بلاء له، ولهذا رد عليها الشاعر مشيرًا إلى منزلته في غير هذا الباب: قال:
فقلت لها لا تعجبي وتبيني ... بلائي إذا التفت علي الفوارس
فأشار إلى منزلته في الموقف الصعب.
وضح لنا إذن أن القرب، والبعد يلقيان ظلالًا مختلفة تحددها سياقات الكلام
اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 203