اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 337
ولم يزل سائرًا في سهولة هذه الجادة إلى أن قال:
فلا تكثرن شكوى الزمان فإنما ... لكل ملم جيشة وذهاب1
وقد كان ليل الفضل في الدهر داجيًا ... إلى أن بدا للناظرين شهاب
والأرجاني أيضًا نظمه غريب في هذه البلاد، فلذلك أوردت منه هنا هذه النبذة اللطيفة، والله أعلم.
وقد آن لي أن أقدم مقدم النتائج، من أشعار المتأخرين في هذا النوع، فإنهم رياحين حدائقه، وأقمار مشارقه، فالمقدم هنا قاضيهم الفاضل الذي ارتفع الخلاف بقضائه، ونفذ حكمه بالموجب على ملوك هذه الصناعة، وتقدم باستيفاء شرائط التقديم، فصلى خلف إمامته الجماعة. فمن مخالصه الفاضلية، قوله من قصيدة يمدح بها خليفة الفاطميين في ذلك العصر، مطلعها:
ترى لحنيني وحنين الحمائم ... جرت فحكت دمعي دموع الغنائم
وما أحلى ما قال بعده:
وهل من ضلوع أو ربوع ترحلوا ... فكل أراها دارست المعالم2
دعوا نفس المقروح تحمله الصبا ... وإن كان يهفو بالغصون النواعم
تأخرت في حمل السلام عليكم ... لديها لما قد حملت من سمائم3
فلا تسمعوا إلا حديثًا لناظري ... يعاد بألفاظ الدموع السواجم4
فإن فؤادي بعدكم قد فطمته ... عن الشعر إلا مدحه لابن فاطم
ومثله قول العلامة الشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري، شيخ شيوخ حماة، من قصيدة دالية يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم، مطلعها:
ويلاه من نومي المشرد ... وآه من شملي المبدَّد
ولم يزل يدير على خصور هذه الألفاظ الرقيقة، وشاحات معانيه البديعية، إلى أن قال:
أكسبني نشوة بطرف ... سكرت من خمره فعربد5
1 ملم: مار
2 دارسات: المعالم: أي لا أثر فيها يعلم بإقامتهم.
3 السمائم: جمع مفرده سموم وهي الريح الحارة التي تهب عادة من جهة الجنوب.
4 السواجم: جمع مفرده ساجم وهو الدائم الانصباب.
5 النشوة: قمة اللذة، العربدة: السكر الشديد المصحوب بالتيه.
اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 337