اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 181
مراسيم المصنف مع سلوك الأدب الذي يذوقه من له فيه أعذب منهل، والله يجمعنا على هذا الشرب لتحلو موارده بالموارده, ولا يحجبنا عن الكلام الذي يحسن السكوت عليه وتتم به الفائدة.
وكتب، بعد ذلك، سيدنا القاضي بدر الدين المشار إليه: وقفت أنا ولا أكاد أثبت نظري لشدة الخجل، وسألت المهلة في وصف هذه الألفاظ، فإذا هي قد جاءت على عجل، قلت: أما المقام الشريف الممدوح عز نصره، ولا زالت تفخر بدولته القاهرة مصره، فملك مد على الرعية جناح العدل، وحمى بيضة الإسلام، وتواردت على تجريح عدالته وتعديل صفاته السنة السيوف والأقلام، وسار على أقوم طريق، فأذكرنا السيرة العمرية، وطلع في سماء الكواكب كالبدر، فقل ما شئت في الطلعة القمرية، ودعا إلى نسك طاعته فلبته في ذلك الموقف النفوس، ونادى على أعدائه منادي الحتف فأرانا كيف يكون الترخيم بحفذ الرءوس، ناهيك بها مناقب سرّت القلوب، وسارت ونافست النجوم جواهر الألفاظ في مدحها فغارت، وشملت البرايا بالمن والمنح، وقابلت المسيء بالعفو والصفح، حماها الله تعالى من الغير، وجعل صفاتها الشريفة جمال الكتب والسير.
وأما منشئ السيرة، فماذا أقول وقد رأيت الخطب جليلًا، وماذا أصف وقد حملني العجز عبئًا ثقيلًا، هو كبير أناس، مزمل[1] من البلاغة بأنواع وأجناس، يأتم به الهداة كأنه علم، وتروم الأدباء المقايسة به فيقاسون ولكن من شدة الألم، له في الأدب صريمه وشهامه، وفراهة تجريه إلى المقامات الرائقة فلا تستريه سآمه[2]، ما هم بتركيب معنى إلا وشرح الصدور بذلك الهم[3]، ولا شن فارس فكره غارة إلا وتم منها على بيوت الشعراء ما تم. طالما أظهر برغم أنوف الحسدة في المجالس فضله، وصعبت الآداب على غيره لكنها أصبحت عليه سهله، وعقل غرائب نكته عما سواه فلله ما أبدع عقله، كدّر عيش الحلي بما ابتدعه من العجائب، ولا ينكر لمثله تكدير الصفي، واكتفى في ميدان البراعة بجواده فكره الذي جال وهو مكر مفر، وهكذا يكون المكتفي أتى في تاريخه بألفاظ ولو رآها ابن الأثير لتأثر، وابن سعيد لتعثر، وابن بسام لأصيب منها بالقارعة فعبس وتولى، أو الحجازي لرمي منها بالداهية التي هدمت ما بناه، وثقلت عليه حملًا، وكتب خطًّا لو لمحه ابن مقلة لأصيب منه بنظره، أو ابن البواب لهتك ستره، وجاء بأدب لو وازن أحد به الراجح الحلي، لما أقام له وزنًا ولا رجحه، ولو تأمل المليحي ملاحة لفظه الذي ما مر [1] مزمل: ملتف [2] سآمه: ملل. [3] الهم: البدأ: من هم بالشيء إذا بدأ به.
اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 181