اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 182
مثله بالذوق إلا قال لسان التعجب ما أملحه، ولو قيس به ابن الرومي المتعاظم لأنشد الناظم:
ولو أني بليت بهاشمي ... خؤولته بنو عبد المدان
لهان عليَّ ما ألقى ولكن ... تعالوا وانظرو بمن ابتلاني
ولو تشبه به مادح كافور[1] لعاد من برده بكبد حرا، ولو كلف مجاراته صاحب القطر النباتي لقال: ربنا أفرغ علينا صبرًا، ولو تعرض ديك الجن لعزائمه في الأدب لما زادته إلا خبالا[2]، ولرأى سطورًا تتوالد منها المعاني العجيبة والليالي كما علمت حبالى، ولو أصبح ابن قادوس فخارًا بمثل أدبه لقلنا له حسبه أن يدور في الدولاب، ولو تسرح الزغاري إلى تصيد معانيه الشاردة لقطعت عليه أذناب الكلاب، ولو تسلق المعمار عليها لعلم أنه ينحت من الجبال بيوتًا، ولو رآه أبو نواس لقال هذا الذي نقل الأدب خبرًا وعلم من أين يؤتى، ولو عورض به ابن مماتي لطال على قريحته الميتة النحيب، أو ذكر الصابي لقال الذوق السليم ليس لعصرنا من صاب سوى هذا الأديب، ولو أدرك آدابه الحكيم ابن دانيال لعلم أنه ما تخيل نظيرها في الوهم، ولا تصور مثلها في الخيال، وإذا كان الأمر كما قال حسان بن ثابت الأنصاري:
وإنما الشعر عقل المرء يعرضه ... على البرية إن كَيَسًا وإن حمقًا
فما أوفر عقل هذا الشاعر وأوفاه، وما أقدره على تخيل المعاني الغريبة وأقواه، وما أحمق من قاسه على قرنائه من هذه الصناعة التي تعاطاها بسواه، كم تصور معنى في الذهن فأبرزه في الخارج أغرب الأشياء أسلوبًا، وكم ركب جناسًا إذا ذكر البستي عنده قال الأدب دعنا من تركيبه للجناس مقلوبًا.
ولقد كنت أرتجي بابًا أدخل منه للتقريض، ففتح لي المقر التقوي بابًا مرتجا، ونهج الطريق إلى المدح فاقتفيت آثاره واهتديت حيث رأيت منهجًا، أبقاه الله لإبهام يوضحه، وفساد عاجز يصلحه، والله تعالى يحفظ على منشئ هذه السيرة قريحته التي هل لعجائب الأدب حائزه، ويجعله ممن يسرح في رياض الصدقات الشريفة بما يسوقه إليه من وفور الجائزه. [1] مادح كافور: هو المتنبي وقصيدته في مدح كافور الإخشيدي مشهورة مطلعها:
عيد بأية حال عدت يا عيد ... بما مضى أم لأمر فيك تجديد [2] الخبال: اختلاط العقل.
اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 182