اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 162
د- العاطفة في هذا الاتجاه:
وفي مجال العاطفة، يلاحظ على شعر هذا الاتجاه التجديدي الذهني أن العاطفة قد تأتي وراء الذهن، على أن تلك العاطفة حين تنضح تكون من لون مفعم بأحاسيس الأسى، مليء بمشارع المرارة، جياش بالحزن والضيق الذي يبلغ أحيانًا حد اليأس، وليس من شك في أن قراءات رواد هذا الاتجاه في الأدب الرومانتيكي الإنجليزي، قد كان لها أثر في شيوع هذه العاطفة في شعرهم، ولكن طبيعة هؤلاء الرواد أولًا، وظروف حياتهم ثانيًا، كان لها أعظم الأثر في هذا الشأن، فإحساسهم المفرط بما يكتنف الحياة من مظالم وشرور وآثام، ومعاناتهم الواعية للمتاعب، والعقبات التي سدت الطرق إلى ما كانوا يرون أنفسهم جديرين به من مجد، ومقاساتهم الشديدة لألوان من الاضطهاد التي وصلت أحيانًا إلى درجة المحاربة في الرزق، كل ذلك كان المصدر الأول لهذه العواطف المفعمة بالأسى، المليئة بالمرارة، الجياشة بالحزن والضيق الذي يبلغ أحيانًا حد اليأس.
ومما يمثل هذا الطابع من شعر المازني قوله في قصيدة يعبر بها عن مأساة الضيق بالحياة وعدم احتمالها، نتيجة لفرط الإحساس، وخيبة الآمال، وتحدي الأحداث المستمر:
لبست رداء الدهر عشرين حجة ... وثنتين، يا شوقي إلى خلع ذا البرد
عزوفًا عن الدنيا، ومن لم يجد بها ... مرادًا لآمال تعلل بالزهد
تراغمني الأحداث حتى كأنني ... وجدت على كره من الحدثان
فلا هي تصمي القلب مني إذا رمت ... ولا ترعوي يومًا عن الشنآن
أبيت كأن القلب كهف مهدم ... برأس منيف فيه للريح ملعب
أواني في بحر الحوادث صخرة ... تناطحها الأمواج وهي تقلب
اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 162