اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 160
رقدت مستشعرًا نومًا لأوهمهم ... أني عن البعث بي نوم وبي صمم
فأعجلوني، وقالوا: قم فلا كسل ... ينجي من البعث، إن الله محتكم
قد مت ما مت في خير وفي دعة ... وقد بعثت، فماذا ينفع الندم
استغفر الله من لغو ومن عبث ... ومن جناية ما يأتي به الكلم1
على أن الشعراء التجديديين الذهنيين لم يحصروا أنفسهم في الموضوعات التجريدية، كالمعرفة والحياة والجبر، والغرور والبعث؛ وإنما طرقوا كثيرًا من الموضوعات الحسية، ولكن على طريقتهم؛ تلك الطريقة التي يغلب أن تتخذ من البصر طريقًا إلى البصيرة، ومن الحس سبيلًا إلى المعنى، ومن المحدود معبرًا إلى ما لا يحد، فهم يتناولون الموضوع الحسي لا ليصفوه من الخارج، متحدثين عن حجمه ولونه، ذاكرين ما يشبهه من الأشياء أو ما لا يشبهه؛ وإنما يتناولون المحسوس لينتقلوا منه إلى نفوسهم، ويصوروا ما يثيره فيها هذا المحسوس العابر من خوالد المعاني[2]، ولنأخذ مثلًا لذلك قول العقاد عن "العقاب الهرم":
يهم ويعيبه النهوض فيجثم ... ويعزم إلا ريشه ليس يعزم
لقد رنق الصرصور، وهو على الثرى ... مكب، وقد صاح القطار وهو أبكم
يلملم حدباء القدامى كأنها ... أضالع في أرماسها تتهشم
ويثقله حمل الجناحين بعد ما ... أقلاه، وهو الكاسر المتقحم
جناحين لو طارا لنصت فدومت ... شماريخ رضوى واستقل يلملم
ويغمض أحيانًا، فهل أبصر الردى ... يحط عليه أم بماضيه يحلم؟؟
لعينيك يا شيخ الطيور مهابة ... يفر بغاث الطير عنها ويهزم
وما عجزت عنك الغداة وإنما ... لكل شباب هيبة حين يهرم3
فالعقاد في هذا الأبيات يرسم صورة العقاب الهرم، من خلال نفسه وما
1 ديوان شكري ص241. [2] انظر: العقاد -دراسة وتحية، مقال الدكتور زكي نجيب محمود عن العقاد الشاعر ص37 وما بعدها.
3 ديوان العقاد ص30.
اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 160