اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 338
الضيق الذي شد قدامة به النقد (لا نستثني إلا جهده في ابتكار مصطلح جديد) مما باعد الأذواق عن طريقته، فأبعد تلك الأذواق بالتالي عن الاطمئنان إلى النظريات المستمدة من الفلسفة اليونانية والمنطق اليوناني، ولم يكن في مقدور نظرية المحاكاة التي شرحها الفارابي - حتى لو فهمت على وجهها الصحيح - أن تخدم فكرة الاعجاز؛ وقد كان أبو سليمان المنطقي وهو يتحدث عن نوع من البلاغة سماه " بلاغة التأويل " يشير إلى القرآن، ولكن أبا سليمان وزمرة الفلاسفة من حوله لم يكونوا ذوي " شعبية " كبيرة في أوساط المثقفين، وكانت " بلاغة التأويل " تتجه نحو طبقات المعانين فانهزمت أمام " صفحة التأليف " التي نادى بها الآمدي.
الآمدي أوصل النقد إلى منطقة " اللا تعليل "
وكانت نظرية الآمدي النقدية تعتمد على ركنين كبيرين: أولهما إمكان الموازنة بين أثرين أدبيين متفقين في الموضوع - مهما تتباعد الطريقتان فيهما - وإبراز دور الناقد الكفؤ الذي يجب أن يصغي الآخرون إلى حكمه سواء استطاع التعليل أو لم يستطع. وهذا ما جر إلى القول بان في الشعر مجالاً يدركه الناقد بالطبيعة التي وهبها دون غيره، وبهذه الطبيعة يحكم على ما لا يستطيع أن يورد فيه علة واضحة، وذلك يعني أن هناك دائرة في الشعر يحس فيها الجمال ولا يستطاع التعبير عنها بلم وكيف؛ وهي وقفة أمام اثر " يعجز " الناقد وغيره في كلام البشر، فلم لا تكون تلك الوقفة أمام القرآن؛ وقد رأينا كيف ألح القاضي الجرجاني على هذه الفكرة غير مرة في كتاب الوساطة، فكأن نظرية الآمدي رسخت في النصف الثاني من القرن الرابع وتمكنت عناصرها المختلفة في النفوس، ولهذا نجد لدى بلاغيي القرن التالي ونقاد نظرة إكبار للآمدي لأن ذوقه وطريقته انتصرا في السياق البلاغي والنقدي في تاريخ الأدب العربي.
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 338