اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 336
المتنبي من ينقل رحى المعركة إلى ميدان آخر. وأكبر الظن ان وساطة الجرجاني نالت احترام النقاد، ولكنها لم تقنعهم كثيراً، فأما الأنصار فكانوا يؤثرون للمتنبي أن يظل خارج القطيع، لتكون هذه " الغربة " تفسيراً لتفرده، إذ لم يزد الجرجاني على أن طلب من الخصوم أن يكفوا من غلوئهم فيحسبوه واحداً من المحدثين، وينصفوه كما انصفوا غيره، ولكن الأنصار لم يكن يرضيهم هذا النوع من الإنصاف. فأما الخصوم فكانوا أيضاً عاجزين عن أن يربوا لأنفسهم هذا الذوق الرحب الذي واجههم به الجرجاني، الذوق الذي يحتضن البحتري وجريراً بنفس الحماسة التي يلاقي بها أبا تمام والمتنبي ومسلم بن الوليد.
وسيكثر انشغال الناس بالمتنبي بعد عصر الجرجاني، وكأنهم ما سمعوا حديثه عن السرقات ولا قرأوا كتابه، وسيتصدون من جديد للحط منه بالكشف عن سرقاته، وسيكمل آخرون عمل ابن جني في العكوف على ديوانه، متخذين إبراز معانيه وسيلة من وسائل تقريبه إلى الناس، وذلك حتماً من كتابة نقد أدبي يتناول شعره، وكيف يفعلون وهم قد رأوا ناقداً كبيراً مثل الجرجاني يحجم عن تفسير أية ظاهرة من ظواهر تفوقه وامتيازه على الشعراء. وبين الحين والحين سنجد أناساً أجراً من الجرجاني على التعليل، وإن كانوا أقل قدرة منه على تمثل المبادئ النقدية ونزاهة الموقف النقدي.
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 336