اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 302
مثلاً قيمة السخرية في قول أبي الطيب يصف رجلين قتلا جرذاً [1] ، وهو يفتش عن المعاني المسروقة فإذا لم يجدها قال " وبعد ذلك أبيات في جرذ قتله رجلان لو كان طرحها من ديوانه لاستغنى عنها، ولا يلتمس لمثلها استخراج سرقة لفراغها " [2] ، وهل من الممكن أن نبحث من أين جاء المتنبي بقوله:
لا افتخار إلا لمن لا يضام ... مدرك أو محارب لا ينام ونحن نرى أن هذا تعبير عن مذهب في الحياة، مستقر في نفسه شاغل للبه فهو يملك عليه وجدانه، ذلك إننا إذا ذهبنا نبحث عن مصدر هذا المعنى فكأننا نقول أن نفس الشاعر لا تصلح أن تكون منبعه الطبيعي، وكأننا نحرم تجربته من أن تتجسد طواعية واختياراً في لون من ألوان التعبير دون إلمام بما قاله الآخرون؛ وإذا سلمنا بان اتساع دائرة المشاركة في المعاني قد جعل معاني الشعر الحقيقة بالنظر - كما يزعم ابن وكيع - هي التي تداولها الشعراء فيما بينهم في ألوان من الصياغة، فإن انصراف الجهد إلى تعقبها هو قصر النقد على البيت والبيتين، أي على جزئيات بأعيانها، وهو نزع للمعنى من سياق القصيدة، وصرف النظر عن قيمته في ذلك السياق، وإبعاد للنقد عن كل ما من شانه ان يقربه من تصور أي وحدة في الأثر الشعري الكامل، وليس عمل الناقد في هذا المقام إلا كعمل من يتناول أوراق الزهرة فيأخذ ينزعها واحدة إثر واحدة قائلاً على سبيل التفاؤل " نعم - لا، نعم لا " - أو (فارغ - مسروق، فارغ - مسروق) ، ولكنه لا يستطيع أن يدرك شيئاً من جمال الزهرة حال تناسق أوراقها، ولا تقع جريرة هذا [1] المنصف، 19 ب. [2] يقول ابن وكيع إن المتنبي أخذه من قول ابن دريد:
ولا فخر إلا من فخر من لم يكن له ... أمير عليه في الأمور مقدم
كريم حمته نعمة السيف أن يرى ... يمن عليه بالصنيعة ضيغم ولكن أبا الطيب جمع اللفظ الطويل في الموجز القليل (المنصف 36/أ) .
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 302