اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 303
الاتجاه على ابن وكيع، غير أن النقاد قبله كانوا يجمعون عدداً من أبيات الشاعر، أما هو فإنه وقف عند كل قصيدة، فكأنه لم يحكم على معان متناثرة عند الشاعر، بل حكم على القصيدة بمقياس واحد لا غير هو السرقة، وجعل القارئ يظن أن هذا المقياس هو مدخله الوحيد لنقد أي عمل فني.
قبول أبي تمام والبحتري معاً لرفض المتنبي
وحين تناول ابن وكيع شعر المتنبي بالنقد، كان النقد الأدبي قد نقل دائرة اهتمامه الكبرى، وكانت هذه النقلة في أكثرها على يد الحاتمي؛ وبيان ذلك أن نقول: ان الصراع في النقد قبل الحاتمي كان قائماً حول المفاضلة بين أبي تمام والبحتري يتعصب لهذا فريق ولذاك فريق، فلما جاء الحاتمي، ووجد شخصية أدبية كشخصية المتنبي تستحق الهجوم في الأقل (مع التسليم بأنه شاعر كبير) ، قبل أبا تمام والبحتري قبول توفيق، وعدهما شاعرين كبيرين يلتقي تقديره عندهما دون تفرقة كبيرة بينهما، ووضع المتنبي إزاءهما ليقول إنه عالة عليهما فيما أحسن فيه، ولم يكن الناقد يحس حينئذ: لا بغرابة الجمع بين أبي تمام والبحتري ولا بمدى الزيف في موقعه من المتنبي لو ظهر على أثر المتنبي شاعر رابع كبير يستقل بطرقة لم يألفها ذوقه كثيراً من قبل، وإذن لكان - قياساً على ما سبق - يضم المتنبي إلى صف أبي تمام والبحتري ليتفرغ لمنازعة الشاعر الرابع المفترض، وهكذا يظل النقد يعبر عن ضيق صدره بكل مظهر جديد يرى فيه أي تزحزح عن مستوى الذوق المألوف مثلما ضاق صدر الآمدي بابي تمام عندما كان النقد يدور حول اثنين لا اكثر. ولقد علل ابن وكيع مغالاة المعجبين بابي الطيب في تفضيله بقوله: " والنفوس مولعة بالاستبدال والنقل، لهجة بالاستطراف والملل، ولكل جديد لذة، فلما كان شعره أجد فيهم عهداً، كانوا له أشد وداً " [1] ، ونسي أن هذا التعليل ذو حدين، وان النفرة من المذهب الجدي [1] المنصف، الورقة 2 ب.
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 303