اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 47
"بكرا فالنجاح" كان أحسن. فقال بشار: إنما بنيتها أعرابية وحشية[1] فقلت: "إن ذاك النجاح" كما يقول الأعراب البدويون، ولو قلت: "بكرا فالنجاح" كان هذا من كلام المولدين، ولا يشبه ذلك الكلام[2]، ولا يدخل في معنى القصيدة. قال: فقام خلف فقبّله بين عينيه. فهل كان ما جرى بين خلف وبشار بمحضر من أبي عمرو بن العلاء -وهم من فحولة هذا الفن- إلا للطف المعنى في ذلك وخفائه؟
وكذلك ينزل غير المنكر منزلة المنكر[3] إذا ظهر عليه شيء من أمارات الإنكار؛ كقوله:
جاء شقيق عارضا رمحه ... إن بني عمك فيهم رماح4
فإن مجيئه هكذا مدلا بشجاعته، قد وضع رمحه عرضا، دليل على إعجاب شديد منه، واعتقاد أنه لا يقوم إليه من بني عمه أحد، كأنهم كلهم عزل ليس مع أحد منهم رمح.
وكذلك ينزل المنكر منزلة غير المنكر[5] إذا كان معه ما إن تأمله ارتدع عن [1] وحشية: صفة كاشفة لأعرابية، ولا يريد الوحشية المخلة بالفصاحة. [2] لأنه ليس فيه من دقة الإشارة إلى تنزيل غير السائل منزلة السائل ما في قوله: "إن ذاك النجاح"؛ وإنما فيه تكرير الأمر بالتبكير لتأكيده على وجه ظاهره لا دقة فيه. [3] غير المنكر يشمل خالي الذهن من الحكم، والمتردد، والعالم به من غير إنكار، ولكنه لا يعمل بعلمه؛ كقولك للمسلم التارك للصلاة: إن الصلاة واجبة. وفائدة تنزيل المتردد منزلة المنكر: المبالغة في توكيد الخبر له.
4 هو لحجل بن نضلة الباهلي، وبعده:
هل أحدث الدهر لنا ذلة؟ ... أم هل رفت أم شقيق سلاح؟
وقوله: "عارضا رمحه" معناه: أنه وضعه على عرضه؛ بأن جعله على فخذيه بحيث يكون عرضه إلى جهتهم، وكان هذا من أمارة عدم التصدي للحرب، والشاهد في قوله: "إن بني عمك فيهم رماح"، وهو من تنزيل العالم منزلة المنكر. [5] المراد بغير المنكر: خالي الذهن من الحكم فقط؛ لأنه لا فائدة لتنزيل المنكر منزلة المتردد، وقيل: إن له فائدة في تقليل التوكيد كما سيأتي في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} .
اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 47