اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 46
وقوله: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [1]، وقول بعض العرب "الرجز":
فغنها وهي لك الفداء ... إن غناء الإبل الحداء2
وسلوك هذه الطريقة شعبة من البلاغة فيها دقة وغموض؛ روي عن الأصمعي أنه قال: كان أبو عمرو بن العلاء[3] وخلف الأحمر يأتيان بشارا فيسلمان عليه بغاية الإعظام، ثم يقولان: يا أبا معاذ، ما أحدثت؟ فيخبرهما وينشدهما، ويكتبان عنه متواضعيْنِ له، حتى يأتي وقت الزوال، ثم ينصرفان. فأتياه يوما، فقالا: ما هذه القصيدة التي أحدثتها في ابن قتيبة؟ قال: هي التي بلغتكما, قالا: بلغنا أنك أكثرت فيها من الغريب!! قال: نعم، إن ابن قتيبة يتباصر بالغريب؛ فأحببت أن أورد عليه ما لا يعرف, قالا: فأنشدناها يا أبا معاذ، فأنشدهما "الخفيف":
بكرا صاحبي قبل الهجير ... إن ذاك النجاح في التبكير4
حتى فرغ منها، فقال له خلف: لو قلت يا أبا معاذ مكان "إن ذاك النجاح": [1] آية 53 سورة يوسف، فإن قوله: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} يلوِّح بقبح نفسها "امرأة العزيز". ولا يخفى أن هنا توكيدين، وهذا يفيد جواز تعدد التوكيد في المتردد وما ينزل منزلته، فيكون الفرق بينه وبين المنكر في الوجوب والاستحسان فقط. وقيل: إن أحد التوكيدين لاستبعاد الخبر في ذاته.
2 لا يعلم قائله. والضمير في قوله: "فغنها" للإبل أي: فغن لها، والحداء بضم الحاء وكسرها مصدر: "حدا الإبل" إذا ساقها وغنّى لها. والشاهد في أنه حين يقول: "غنها" ليشتد سيرها يفهم السامع أن غناءها هو الحداء الذي تساق به، فتستشرف له نفسه، ومن هذا قول أبي نواس "من بحر السريع":
عليك باليأس من الناس ... إن غنى نفسك في الياس [3] رواية الأغاني: "كان خلف بن عمرو بن العلاء وخلف الأحمر ... " وقد ساق القصة كما هنا.
4 هو لبشار بن برد. والهجين: من الزوال إلى العصر.. أو شدة الحر. والشاهد في أن الشطر الأول يلوح بالثاني؛ ولهذا أتى به مؤكدا.
اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 46