اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 20
فالكلام الخالي من التعقيد اللفظي: ما سلم نظمه من الخلل؛ فلم يكن فيه ما يخالف الأصل -من تقديم أو تأخير أو إضمار أو غير ذلك- إلا وقد قامت عليه قرينة ظاهرة -لفظية أو معنوية- كما سيأتي تفصيل ذلك كله, وأمثلته اللائقة به.
والثاني ما يرجع إلى المعنى, وهو ألا يكون انتقال الذهن من المعنى الأول إلى المعنى الثاني الذي هو لازمه والمراد به ظاهرا[1]؛ كقول العباس بن الأحنف "من الطويل":
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عينايَ الدموع لتجمدا2
كنى بسكب الدموع عما يوجبه الفراق من الحزن[3]، وأصاب؛ لأن من شأن البكاء أن يكون كناية عنه؛ كقولهم: "أبكاني وأضحكني" أي: ساءني وسرني، وكما قال الحماسي "من السريع":
أبكاني الدهر ويا ربما ... أضحكني الدهر بما يرضي4
ثم طرد ذلك في نقيضه، فأراد أن يكني عما يوجبه دوام التلاقي من السرور بالجمود؛ لظنه أن الجمود خلو العين من البكاء مطلقا من غير اعتبار شيء آخر، وأخطأ[5]؛ لأن الجمود خلو العين من البكاء في حال إرادة البكاء منها؛ فلا يكون [1] المعنى الأول: هو المعنى الأصلي، والمعنى الذي هو لازمه: هو المعنى المجازي أو الكنائي.
2 قوله: "وتسكب" بالرفع، ونصبه بالعطف على "بعد" أو على "تقربوا" وهم، والحق أنه لا شيء في عطفه على "تقربوا"، والسين في قوله: "سأطلب" لمجرد التأكيد، ومعنى الشطر الأول: أنه يفارقه رجاء أن يغنم في سفره, فيعود إليه فيطول اجتماعه به. [3] قيل: إنه لا حاجة إلى الكناية بسكب الدموع عن هذا؛ لأنه يجوز أن يراد به حقيقة.
4 هو لحطان بن المعلى من شعراء الحماسة، وقد كنى فيه بإبكاء الدهر له عن إساءته، وبإضحاكه له عن سروره. [5] أي: في نظر علماء البيان، وإن كان لكلامه وجه من الصحة بأن يكون استعمل جمود العين -وهو يبسها- في خلوها من الدموع وقت الحزن, مجازا مرسلا علاقته الملزومية، ثم استعمله في خلوها من الدموع مطلقا مجازا مرسلا من استعمال المقيد في المطلق، ثم كنى به عن دوام السرور، وفي ذلك من البعد والتعقيد بكثرة الوسائط ما يجعله خطأ في نظر علماء البيان.
اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 20