اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 21
كناية عن المسرة؛ وإنما يكون كناية عن البخل، كما قال الشاعر "من الطويل":
ألا إن عينا لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود1
ولو كان الجمود يصلح أن يراد به عدم البكاء في حال المسرة لجاز أن يدعى به للرجل؛ فيقال: "لا زالت عينك جامدة"، كما يقال: "لا أبكى الله عينك" وذلك مما لا يُشك في بطلانه. ومن ذلك قول أهل اللغة: "سنة جماد لا مطر فيها، وناقة جماد لا لبن لها"؛ فكما لا تجعل السنة والناقة جمادا إلا على معنى أن السنة بخيلة بالقطر والناقة لا تسخو بالدر، لا تجعل العين جَمُودا إلا وهناك ما يقتضي إرادة البكاء منها، وما يجعلها إذا بكت محسنة موصوفة بأنها قد جادت، وإذا لم تبك مسيئة موصوفة بأنها قد ضنّت.
فالكلام الخالي عن التعقيد المعنوي: ما كان الانتقال من معناه الأول إلى معناه الثاني -الذي هو المراد به- ظاهرا، حتى يخيل إلى السامع أنه فهمه من حاقّ
1 هو لأفلح بن يسار، وقيل: مرزوق بن يسار المعروف بأبي عطاء الخراساني في رثاء ابن هبيرة، وبعده:
عشية قام النائحات وشققت ... جيوب بأيدي مأتم وخدود
وواسط: مدينة بالعراق بناها الحجاج بن يوسف، وقد قُتل ابن هبيرة في معركة وقعت فيها، وقد كنى فيه بجمود العين عن بخلها الدمع في الوقت الذي يجب فيه أن تدمع.
ومن التعقيد المعنوي قول أبي تمام "من الطويل":
من الهيف لو أن الخلاخل صُيِّرت ... لها وُشُحا جالت عليها الخلاخل
أراد وصفها بدقة الخصر، فكنى عنه بأن الخلاخل لو جُعلت لها وشحا لجالت عليها، وهذا لا يدل على مراده، بل يدل على بلوغها غاية القِصَر؛ لأنه أمكن أن تكون الخلاخل وشحا لها، والوشاح يضرب لها من العاتق إلى الكشح.
اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 21