اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 143
واحد[1].
وقد تختص مواقعه بلطائف[2] كما في سورة الفاتحة[3]؛ فإن العبد إذا افتتح حَمْد مولاه الحقيق بالحمد عن قلب حاضر ونفس ذاكرة لما هو فيه بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} الدال على اختصاصه بالحمد وأنه حقيق به، وجد من نفسه لا محالة محركا للإقبال عليه، فإذا انتقل على نحو الافتتاح إلى قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} الدال على أنه مالك للعالمين، لا يخرج منهم شيء عن ملكوته وربوبيته، قوي ذلك المحرك، ثم إذا انتقل إلى قوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الدال على أنه منعم بأنواع النعم: جلائلها ودقائقها؛ تضاعفت قوة ذلك المحرك، ثم إذا انتقل إلى خاتمة هذه الصفات العظام وهي قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} الدال على أنه مالك للأمر كله يوم الجزاء تناهت قوته، وأوجب الإقبال عليه وخطابه بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمّات[4]. [1] أورد ابن الأثير على ما ذكره الزمخشري من ذلك أنه لو كان صحيحا لما حسن الالتفات إلا في الكلام الطويل، مع أنه قد أتى في القرآن حيث لا يمكن أن يقال: إن الكلام قد طال، ثم ذكر أن الالتفات لا يكون إلا لفائدة اقتضته، وأن تلك الفائدة أمر وراء الانتقال من أسلوب إلى أسلوب، ولكنها لا تحد بحد ولا تضبط بضابط، وإنما يشار إلى مواضع منها ليقاس عليها، كما سيأتي في سورة الفاتحة، ولكنه عاد فذكر أنه لا ينكر أن في الانتقال من أسلوب إلى أسلوب اتساعا وتفننا في أساليب الكلام، مع أنه قد يكون لمقصد آخر معنوي هو أعلى وأبلغ، ولا يخفى أن مثل هذا لا يخالفه فيه الزمخشري؛ لأنه فيما ذكره من ذلك لم يرد إلا بيان وجه عام لحسن الالتفات، ولا يمنع أن تختص مواقعه بلطائف أخرى خاصة. [2] قيل: إنه يلزم أن يُلتمَس ذلك في كل التفات، وقيل: إنه لا يلزم أن يكون له في كل مقام نكتة خاصة. [3] الفاتحة: 2، 3، 4، 5. [4] يعني خطابه بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 143