responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 76
وقد دهش أصدقاؤه للتحول الأول حتى قال بعضهم: " انه موقف عجيب من شاعر ناشئ لم يتعرف من العربية إلا نهلة لا تبل الشفاه " وتحدثوا إليه بدهشة فابتسم ولم يتكلم [1] .
وأما التحول الثاني فانه لم يكن قد تبلور بعد تمام التبلور، ولندع أحد شهود تلك اللحظات يحدثنا عنها فيقول: " وهنالك في بغداد الأمس كان الواحد منا يحاول أن يجد لما تراكم في نفسه من قلق وهلع وخيبة متسعا في الأدب يثبت فيه قيما جديدة تتناسب مع أحاسيسه وتفهمه العاطفي لمشاكل العالم؛ وكان العالم يتحدث بصوت مبحوح عن جريمة قتل مرعبة حدثت في هيروشيما، وعن انتحار كاتب ألماني في البرازيل، وعن طالب بعث برسالة إلى الرئيس الأمريكي يسأله عما إذا كان عليه أن يتم دراسته بعد أن اخترعت القنبلة الذرية؛ وكانت صحف بغداد تتحدث عن تاجر خلط الدقيق بنشار الخشب وقدم خليطه خبزا للناس. وخلال هذه الصورة القائمة كانت يد صغيرة متشنجة تشد على أيدينا بكثير من الإخلاص، هي يد بدر، وكان يتحدث عن كل تلك الأشياء كما لو انه جزء منها ولا أهمية له من دونها، وفجأة وبنفس الحماسة يبدي إعجابه بضحكة حسناء عبرت، أو بلثغة زميله له في الكتابة تصاقب مجلسه في عرفة الدرس؟ وكانت تحملنا قصاصات من ورق عبر أمسيات كثيرة من مقهى إلى مقهى لنسمع إلى هذه المحاولة الجديدة وتتقد تلك القصيدة ونحن نحاول أن نفلسف العالم من حولنا. وظل البعض منا يحاول يائسا ان يوفق بين ماركس ونيتشه لينتشل نفسه من صراع مر؛ أما بدر فقد بدا لنا كما لو ان كلا منهما يعيش في زاوية من نفسه في حياة لا تتطور " [2] .

[1] العبطة: 9 - 10.
[2] أضواء: 38 - 39 من قطعة للشاعر بلند الحيدري.
اسم الکتاب : بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 76
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست