responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 77
إن هذه الصورة الشعرية المفلسفة لذلك الماضي ربما لم تنقل التاريخ حرفيا، وربما تجاوزت عام 1946 بمدلولها إلا أنها على أية حال تعطي فكرة عن مخاض كان يعانيه جيل بدر؛ فأما إلى اليمين وأما إلى اليسار، ولو أن كاتب هذه السطور المقتبسة تذكر ان بدرا اشترك في إضراب وقع في الكلية أواخر عام 1945، فصل على أثره منها، وعاد إلى قريته، لاستطاع أن يذكر أن الشاب الذي لم يكن يحاول التوفيق بين نيتشه وماركس، فكريا، كان قد أصبح يدرك عمليا انه لا يستطيع أن ينأى بنفسه كلما أشتد الصخب حول الموضوعات العامة، وأن يدخل إلى غرفته في داخلية دار المعلمين. غير أن هذه الصورة صادقة تماما في الحديث عن نفسية بدر الذي كان ما يزال يتحدث عن افتتانه بضحكة حسناء عابرة في حماسة مماثلة لماسه في الحديث عن اخطر الموضوعات الإنسانية، ولكنه رغم ذلك كان يقف على عتبة تحول خطير.
هل كان " الهوى البكر " أثر في هذا التحول؛ " الهوى البكر "؟ ألست ترى، حين تعلم أن السياب هو صاحب هذه التسمية، كيف ان الشاعر أحس لحظة انه يولد من جديد، وان كل حب في الماضي كان عبثا؟ وبما أنه كان عبثا فكأنه لم يكن، ولتذهب كل ذكرى لهالة وذات المنديل الأحمر، ولكل أنثى خفق القلب لها من قبل، لتذهب كل هذه إلى جحيم النسيان. من هنا يبدأ التاريخ الذي يستحق التدوين، أما ما قبل ذلك فكله من أساطير ما قبل التاريخ وفرضياته ومزاعمه. كان القلب يحسب كل نور التمع في الدجى منارا يهديه، ولم يكن يعلم أن المغررات في أضواء الليل كثيرات، وبعضها كنار الحباحب، أما اليوم فقد وجد " المنارة " التي تومئ إلى المرفأ الآمن الأمين.
وكان ذلك النور الجديد إحدى زميلاته في الكلية تعرف إليها في مطلع العام الدراسي الثالث، ولا يميزها كثيرا أن تقول أنها ذات غمازتين لا لكثرة اللواتي يتمتعن بهذه السمة بل لآن كل فتاة احبها السياب

اسم الکتاب : بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 77
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست