فأصغي إلى كلماتي واستخذي لها، وأنشأ يحدثني حديثًا تمازجه العبرات، وتقطعه الزفرات، ويقول: زوجني أبي منذ سنين من زوجة جاهلة غبية لا تفهم معنى الزواج إلا أن فيه قضاء لبانتها، وترفيهَ عيشها، وإرضاء نفسها، وهو يحسب أنه قد أحسن إلي بسليلة المجد وربيبة النعمة ومالكة الدور، وساكنة القصور، أجل إنها ذات مال وفير، وخير كثير، ولكن ذهب عليه غفر الله له أني ما كنت أريد أن أكون تاجرا أكسب مالا بل زوجًا أجد بجانبي نفسًا يؤنسني محضرها ويوحشني مغيبها، ومرآة صافية نقية أتراءى فيها، فتريني نفسي كما هي لا تكذبني في خير ولا شر، إني أريد أن أجد في الزوجة التي أتزوجها صديقًا في المرتبة العليا من مراتب الصداقة، ومن لي به في امرأة تجهل حتى إرضاع طفلها ولبس ثوبها، على أن ثروتها ما كانت تقوم بحاجتها فقد كان لها خادمة لملابسها، وأخرى لشعرها، وأخرى لسريرها وطابخة وغاسلة ومرضع وقهرمانة وخياطة خاصة بها وطبيب لا يُغِبُّ[1] زيارتها ومؤنسات لا يفارقن مجلسها، ولم تكن ممن أنعم الله عليهن بنعمة الجمال، فكانت تنفق ما يزيد على نصف دخلها [1] أَغَبَّ فلان القوم إذا جاءهم حينًا بعد حين.