إلى الدير:
مسكين ذلك الفتى الذي رأيته صباح أمس منزويًا في ركن من أركان أحد الأندية، وقد ظللت جبينه الوضاح سحابة سوداء من الحزن، وانحنى على نفسه كأنما شعر بأن قلبه يتمشى في صدره، وأنه يحاول الفرار منه فهو يعطف عليه ليمسكه بين جوانحه، ولو أنه أراد بنفسه خيرا لتركه يمضي في سبيله حيث شاء، فبعدًا لقلب لا يسكن عن الخفقان، ولا يفيق من الهموم والأحزان.
سألته ما بالك أيها الصديق، قال: لا شيء، قلت أن تكتمني ما في نفسك ولو عرفتني ما كتمتني، قال ما جهلتك مذ عرفتك، ولكنني أعطيت الله عهدًا مذ خلقت ألا أشكو إلا إلى من أرجو عنده البرء، وما أنا براجٍ عندك، ولا عند أحد من الناس براء من دائي، قلت: هبني طبيبًا والطبيب وإن كان لا يشفي إلا نادر فإنه يسكن غالبًا، ويعزي دائما، فأنا إن عجزت عن معالجتك، فلا أعجز عن تعزيتك، على أن الماء إذا اشتد غليانه احتاج إلى التنفيس عنه، وإلا طار بالقدر، طيران الهم بالصدر.