لأنه يعلم أنا لا نرحمه، ولا نغفر له زلته في احتقار نعمة العقل والقوة بتعطيلهما عن العمل، وأما العاجز فنحدب عليه، ونحسن إليه، ولا ترى لأنفسنا في ذلك فضلًا؛ لأننا إنما نمنحه جزءًا من القوة التي منحنا إياها لنعبده بها، ولا نرى في وجوده العبادة أفضل من مواساة العاجزين، ورحمة البائسين.
وإنه ليحدثني بهذا الحديث إذ لاحت لنا بنية فخمة ضخمة تمتاز عن غيرها من البُنَى بحسن نظامها، وجمال هندامها، فقلت للشيخ هل أرى قصر الملك؟ قال لا ولكنه قصر رجل شرير طماع قد خالف إرادة الله، وحكمته فاحتجن[1] دون عبادة أرضهم ومالهم ليعلو عليهم ويستأثر بالنعمة من دونهم، فغضب الله عليه، وقلب نعمته نقمة، ورخاءه شدة، فإنه ما أراح[2] رائحة العيش الرغد حتى أسلم نفسه إلى شهواتها، وحملها فوق ما تحمل طبيعتها، فها هو ذا اليوم يقاسي من آلام الأمراض وأنواع الأسقام ما بغض إليه العيش، وحبب إليه الموت، لم يحمه قصره، ولم يغن عنه ماله، فهو عبرة المعتبرين، وموعظة السابلين[3] فكبر الرجل في ذرعي[4] وعظم في عيني، وأكبرت فيه وفي أمته هذه الخلال [1] احتجن المال: ضمه واحتواه. [2] أراح فلان الشيء: وجد ريحه. [3] السابلة: المختلفون على الطرقات في حوائجهم. [4] كبر ذرعى: عظم وقعه عندي.