قدرته ويغالبوه على أمره ونهيه ويزاحموه في لوحه وقلمه يعرفون من سر الدين وحكمته والغرض الذي قام له ما يعرف هؤلاء البله الأغرار الذين لا يفهمون معنى الجنة والنار، ولا يميزون بين الدين والتين.
فرغنا من الحديث، وعرضت على الشيخ أن يُزيرني المدينة، فانحدر بي إليها فرأيت شوارعها فسيحة منتظمة ومنازلها متفرقة غير متلاصقة، وقد أحاط بكل منزل منها حديقة زاهرة، ورأيت سكانها مكبين على أعمالهم مجدين في شئونهم صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً، ما فيهم فقير يتسول، ولا متبطّل يتثاءب ويتململ. وأغرب ما استهوى نظري أني لم أر في تلك المدينة ذلك التفاوت الذي أعرفه في مدائننا بين الناس في منازلهم ومراكبهم ومطاعمهم ومشاربهم وأزيائهم كأن جميع سكانها سواء في حالة المعيشة، ودرجة الثروة فسألت الشيخ ألا يوجد فيكم غني وفقير وسيد ومسود، قال لا يا سيدي، حسب الرجل منا بيت يأوي إليه ومزرعة يستغلها ودابة تحمل أثقاله، ثم لا شأن له بعد هذا فيما سوى ذلك؛ لذلك لا يوجد فينا سيد ومسود؛ لأنه لا يوجد فينا غني وفقير، قلت لا بد أن يوجد بينكم العاجز عن العمل والكسول المتبطل، قال أما الكسول فلا وجود له بيننا