وقدم لي طعاما شهيًّا ومهد لي مرقدا وثيرًا[1] وكان الليل قد أقبل للمرة الثانية من هجرتي هذه، فنمت نومًا هادئًا مطمئنًا لا تروعني فيه خواطر الموت، ولا وساوس الهلاك.
استيقظت أنا والشمس من مرقدينا على صوت تلك الأسرة الطاهرة الكريمة تصلي إلى الله تعالى صلاة الخاشعين المتبتلين، وتدعو وهي مصطفة صفًا واحدًا أن ييسر الله لها عسرها، ويسهل أمرها، ويصلح شأنها، ويمنحها معونته ونصره، فأخذ من نفسي منظرها هذا مأخذًا غريبًا فلم أر بدًّا من الانتظام في صفها، والدعاء بدعائها، والبكاء لبكائها، وعجبت أن يكون مثل هذا الإيمان الخالص راسخًا في نفوس أهل هذه المدينة، ولم يرسل إليها رسول، ولم ينزل عليها كتاب، فلما فرغنا من الصلاة التفت إلى صاحب البيت، فقلت له أراكم تتعبدون فمن تعبدون، وتصلون فمن الذي تدعون، قال نعبد الله خالق هذه الكائنات ومدبرها، قلت هل رأيتموه حتى عرفتموه، قال نعم رأيناه في آثاره ومصنوعاته، ورأيناه في السماء والماء، والفلك الدائر، والنجم السائر، وفي أجنَّة الحيوان، وبذور النبات، ورأيناه في أنفسنا وعقولنا وأرواحنا قبل ذلك، قلت ولِمَ تعبدونه، قال [1] الوثير: الوطئ.