أحسبه صخرة طائرًا أشبه شيء بالنسر في خلقه، والقبة في ضخامتها واستدارتها، وما زال ذاهبًا بي في أفق السماء، ثم رنق لحظة في الهواء ثم هبط إلى قمة الجبل، فأسرعت بالانحدار عنه، وهنالك أحسست بسلسبيل بارد من الأمل يتسرب إلى قلبي فينقع غلته، ويطفئ لوعته؛ لأنني رأيت السفح الثاني من الجانب الآخر، ورأيت بهجة الحياة وزهرة العمران.
رأيت على البعد خطوط الخضرة حول سطور الماء، ورأيت المنازل والقصور كأنها العصافير السوداء، أو الحمائم البيضاء، وكأن ما ألم بنفسي من السرور أنساني ما ألم بجسمي من النصب، فانحدرت إليها فما بلغتها حتى رأيتني في مزرعة في وسطها بِنْية قد وقف على بابها شيخ هو أشبه الأشياء بما يتخيله فريق الخياليين من علماء الفلك في صور سكان المريخ، فذعر مني كما يُذْعر الإنسان، لرؤية الجان، وما كان الذي قام في نفسه مني بأكثر مما قام في نفسي منه لولا أني ألفت الغرائب، وعجمت عود العجائب، فتقدمت إليه، وكأنما ألهمت لغته الغريبة فحييته بها فحياني، وهو يقول: ما كنت أحسب أن الشمس تطلع على مدينة غير هذه المدينة، أو أن في العالم إنسانًا غير هذا الإنسان، فما زلت أحدثه وأستدنيه حتى أنس بي ودعاني إلى منزله وخلطني بنفسه وأهله