أو حوت مضطرب في أعماق الماء، وأحيانا كان يخيل إلي أني في منجم من مناجم الفحم، فأمد يدي أتلمس جدرانه مخافة أن أصطدم بواحد منها، ولم أزل كذلك حتى شعرت بأن الظلام بدأ ينفض صبغته وأن ذراته تتطاير ههنا وههنا، فإذا أن بين يدي جبال عالٍ كأنما هو جدار قائم يمسك السماء أن تقع على الأرض، أو ملك جبار قد لبس من قرص الشمس التاج الأحمر، ومن شعاعها الرداء الأصفر.
ولا تسل هنالك عما ألم بقلبي من الهم، وعقلي من الخيال حينما رأيت أن صعود السماء أقرب إلى الأمل ومن صعود هذا الجبل، وحرت بين الإقدام والإحجام، فلم أر بدًّا من الاستسلام، لمقدور الحِمام، ثم رميت بطرفي فرأيت بين الصخور المبعثرة في سفح الجبل صخرة بيضاء ناعمة الملمس، فاضطجعت عليها وأنا أتمثل بقول أبي العلاء:
ضجعة الموت رقدة يستريح ال ... جسم فيها والعيش مثل السهاد
وما هي إلا غمضة الطرف حتى شعرت بأنها تتحرك قليلًا قليلًا نهضت، ثم طارت فكدت أحسب أنه الموت قد نزل، وأنها الروح تصعد إلى الملأ الأعلى لولا أن فتحت عيني فرأيت ما كنت