مدينة السعادة:
رأيت فيما يرى النائم أنني أمشي في برية جرداء قفر قد انبسطت، ومالها على سطحها متجعدة تجعد الأمواج المتوثبة في القاموس[1] المحيط. وكانت الشمس قد طَفَلت[2] للإياب فلم أر في بطحائها ظلًّا غير ظلي المستطيل الذي رسمته يد الشمس، فأخطأت في تصويره كأنما حسبتني آدم أبا البشر[3] فأوسعتني طولًا، ورسمتني ميلًا.
أنشأت أمشي لا أعرف لي مذهبا ولا مضطربًا، وأنَّى يكون ذلك في صحراء قد تشابهت مسالكها وتشاكلت مذاهبها، وانفرج ما بين قاصيها ودانيها، حتى انحدرت الشمس إلى مستقرها، وطار طائر الليل من مكمنه، وما نشر الظلام أجنحته السوداء في الأفق حتى وجدتني أحير من دمعة وجد في مقلة عاشق، يدفعها الحب ويمنعها الحياء، لا أعلم هل أنا سرُّ كامن في باطن الظلماء، [1] القاموس وسط البحر ومعظمه. [2] طفلت الشمس أحمرت للغروب. [3] ربما لم يكن آدم أطول من بنيه قامة، ولكن التشبية بحسب الخيال الذهني على حد قوله تعالى: {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} .