عليه مطمعه فيطول بكاؤه وعناؤه، ويعتقد أن بلوغ الآمال في هذه الحياة حق من حقوقه فإذا أخطأ سهمه والتوى عليه غرضه أنَّ وشكى شكاة المظلوم من الظالم، ويبالغ في حسن ظنه بالأيام فإذا غدرت به في محبوب لديه من مال أو ولد فاجأه من ذلك ما لم يكن يقدر وقوعه, فناله من الهم والألم ما لم يكن ليناله لو خبر الدهر وقتل الأيام علما وتجربة وعرف أن جميع ما في يد الإنسان عارية مستردة، ووديعة موقوتة، وأن هذا الامتلاك الذي يزعمه الناس لأنفسهم خدعة من خدع النفوس الضعيفة ووهم من أوهامها.
إن أكثر ما يصيب الناس من الشقوة من طريق الأخلاق الباطنة، لا من طريق الوقائع الظاهرة، فالحاسد يتألم كلما وقع نظره على محسود، والحقود يتألم كلما تذكر أنه عاجز عن الانتقام من عدوه، والطماع يتألم كلما خاب أمله في مطمع، والشارب يتألم كلما أفاق من سكره، والزاني يتألم كلما فاوضته في الإثم سريرته، والظالم يتألم كلما سمع ابتهال المظلوم بالدعاء عليه أو حاق به ظلمه، وكذلك شأن الكاذب والنمام والمغتاب وكل من تشتمل نفسه على رذيلة من الرذائل